ثورة 14 أكتوبر .. الأخذ بالحقائق والوقائع والأحداث.. واحدية الثورة كقيمة وطنية واحدة
ثورة 14 أكتوبر .. الأخذ بالحقائق والوقائع والأحداث.
ـ ترابط الثوار وإعلان بيان الثورة الأول من تعز
مع حلول الذكرى الـ 60 لثورة الـ 14 من أكتوبر المجيدة ضد المستعمر البريطاني في جنوب الوطن، لابد من المرور على بعض الحقائق والوقائع والأحداث التي منحت هذه الثورة الفريدة ” قيمة وطنية واحدة”.
وتعاطياً مع ما قدمه السواد الأعظم من المناضلين اليمنيين الذين قدِموا إلى عدن والجنوب بشكل عام من مختلف مناطق اليمن شمالاً وجنوباً، وقدَموا أرواحهم ودمائهم الزكية في سبيل التخلص من العدو المحتل الطامع، سوف نركز قليلًا على بعض الانطباعات والشهادات لشخصين من المناضلين ممن شاركوا في النضال الوطني، عبارة عن شذرات من تاريخ السجل النضالي لثورة 14 أكتوبر 1963م المجيدة..
واحدية النضال الوطني
الشهيد المناضل “صالح مصلح قاسم” أحد رجال وقيادات ثورة 14 أكتوبر في حديث له مع صحيفة الأمل الصادرة في 2ديسمبر 1984م، تحدث عن البعد الثوري الوطني، وعن واحدية النضال الوطني ووحدة الشعب اليمني القدر والمصير الواحد سجلها التاريخ في أنصع صفحاته.
يقول الشهيد صالح مصلح : “بادئ ذي بدء لا بد من الإشارة إلى أن 30 نوفمبر 1967م، هذا اليوم الخالد في تاريخ شعبنا ما كان له أن يتحقق لولا أن شعبنا اليمني بقيادة الجبهة القومية هبّ لامتشاق السلاح ضد المستعمر البريطاني وركائزهم العميلة المحلية، وبنفس القدر ما كان يمكن لثورة 14 أكتوبر المجيدة أن تندلع من جبال ردفان الشماء، لولا قيام ثورة 26سبتمبر 1962م، وسقوط النظام الكهنوتي الإمامي في شمال الوطن”.
ويتابع الشهيد البطل :” فقد أجج الحماس الوطني في الشطر الجنوبي وبالتالي صعّد نقمة العداء ضد المستعمرين وركائزهم فانخرط عدد كبير من أبناء المنطقة الجنوبية في الحرس الوطني، ومشاركتهم الفعالة في الدفاع عن ثورة 26سبتمبر تؤكد وحدة طموح شعبنا في التحرر وتحقيق التقدم الاجتماعي، لذلك ليس غريباً أن تندلع ثورة 14 أكتوبر بعد مرور عام من انتصار ثورة 26 سبتمبر، وكان ذلك في حد ذاته تأكيداً على وحدة الشعب والأرض اليمنية وعلى وحدة الإرادة والتطلعات اليمنية الواحدة”.
14 أكتوبر ووحدة الشعب
أما الشهيد المناضل “على أحمد ناصر عنتر”، أحد أبطال وفرسان الثورة اليمنية (26 سبتمبرـ 14 أكتوبر) والمؤمن بواحدية الثورة في مقابلة له مع التلفزيون الوطني عام 1977م، ونقلته مجلة الجيش في عددها 355، تحدّث قائلا:” 14أكتوبر عام 1963م ذكرى يفتخر بها شعبنا اليمني شمالاً وجنوباً، وحين نقول ذكرى يفتخر بها شعبنا اليمني شمالاً وجنوباً لأن هذه المرحلة من تاريخ شعبنا اليمني كان يناضل ضد الغزاة الإنجليز، وكل الشعوب التي تناضل من أجل حريتها تفتخر بتاريخها النضالي، ونحن اليمنيين نعتبر هذه مفخرة لنا ولأجيالنا مدى الحياة، لأننا ناضلنا ضد عدو غاصب، ناضلنا وقهرنا عدو أكبر منا، ناضلنا بفهم محدود وإمكانيات محدودة ولكننا ناضلنا بمعنويات وإيمان لا حدود له، حينما نذكر أكتوبر نذكره باعتزاز.. لأننا نذكر رجال حملوا السلاح وبايعوا هذا الشعب بأن يكونوا فداء لحريته في ظروف كان قد استطاع الاستعمار البريطاني أن يوهم شعبنا أنه من المستحيل طرد الاستعمار والحكم السلاطيني من أرض جنوب اليمن قاطبة، ولكن كان الشرف، شرف المبادرة لأبناء ردفان في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وكان الشرف لهذه المنطقة أن تبادر وتحمل السلاح قبل أن يحمل السلاح أي شخص في الجمهورية”.
ويواصل سرد الحقائق :” كانوا رمزاً للنضال وكانوا أكثر منا استعداداً لان يموتوا لأنهم حينما تقدموا لتنفيذ هذه المهمة تقدموا وكانوا يفهمون أنهم يموتون وسيستشهدون في سبيلها.. لما اذكر 14 أكتوبر،اذكر الأبطال الذين قادوا الثورة والجماهير في هذه المنطقة في ظروف معقدة للغاية من جميع النواحي من الناحية الثقافية والسياسية والاقتصادية, استطاعوا أن يجندوا نساء ورجال، استطاع كل شخص داخل هذه المديرية أن يقف إلى جانب المقاتلين في ردفان الذين استمروا بالثورة المسلحة وأفواه البنادق ساكتة في جميع مناطق الجمهورية ومن ضمنها منطقة الضالع”.
فشل محاولة تدمير الثورة
ويتابع الشهيد عنتر:” كل القوات البريطانية البرية والجوية بما تمتلكه من إمكانيات ووسائل تدمير سخرت من أجل أن يجعلوا من منطقة ردفان عبرة للآخرين حيث كانوا يفكرون أن تدمير هذه المنطقة وإبادتها سيطفئ لهيب الثورة في عموم جنوب اليمن حينذاك.. كانوا يفكرون أنهم يقهرون البندقية البسيطة التي يحملها المناضل في ردفان ولكن كانوا يجهلون الروح الكبيرة والعالية التي كان يحملها المناضل في ردفان”.
ويقول:” أنا أحد المناضلين الذين شاركوا منذ إطلاق أول رصاصة في هذه المنطقة، ولكن ما كان دوري مع هذه المجموعة التي كانت تحت أزيز المدافع والرشاشات للطائرات ودبابات الإنجليز.. أنا دوري آخر والإخوة في ردفان يعرفون بذلك ونحن في هذه المناسبة والذي يتكلم عن تاريخ لابد ان ينص التاريخ”.
وتغنى بردفان بقوله: “ردفان مجدنا ومفخرتنا، إذا كان لكل ثورة مجد ورمز فنحن مفخرتنا ورمزنا ردفان، أبناء ردفان كانوا يقاتلون وهم محاصرون من الماء والأكل، ولم يكن لهم أي شيء، كانوا يعيشون أسابيع بدون أكل لا يستطيعون أن يوفروا لقمة العيش، وصمدوا، ليس ليوم ولا يومين ولا اسبوع ولا اسبوعين ولا شهر ولا شهرين، صمدوا أكثر من ثمانية أشهر وهم يقاومون 14 ألف جندي إنجليزي منظم، كانوا يقاومون بريطانيا العظمى بطائراتها ودباباتها وجيشها المنظم. يقاومون إمكانيات بريطانيا بالبندقية العادية بجوعهم وجهلهم بفقرهم وتخلفهم ولكنهم صمدوا. دكّت بريطانيا منطقة ردفان عن بكرة أبيها لم يبقَ بيت في ردفان بالطيران والمدفعية والدبابات الإنجليزية، وكل مناضل داخل الجبهة القومية يعرف دلك”.
يتذكر تضحيات المناضلين
ويتذكر الشهيد المناضل زملائه من المناضلين من خلال هذه الكلمات :”عندما نذكر أكتوبر، نتذكر المناضلين، نتذكر المواطنين والمناضلين من هذه المنطقة التي كانت القوات البريطانية تلقي عليهم القبض ويدلوهم من الهيلوكبترات من أجل أن يعترفوا عن ما هو نوع السلاح الذي يمتلكه الثوار.. عندما نذكر 14أ كتوبر نذكر المناضلين الذين أُصيب بعضهم بالشلل من التعذيب الإنجليزي الذي كانوا يعذبون به المناضلين يعلقوهم بالطائرات في الهواء، ويوم وليلة وهم يدورون بهم في الجو وكأنه قطعة حديد تتدلى في الهواء.. لما نذكر أكتوبر نذكر المئات من أبناء هذه المنطقة الذين كانوا يموتون بقناعة من أجل حرية الآخرين .. لما نذكر أكتوبر نذكر المقبرة التي في أسفل وادي بناء للذين ماتوا بالآلاف من أبناء هذه المنطقة من الجوع والضمأ.. عائلات بأكملها دُفنت في قبر واحد، لم يمتلكوا حبة تمر ولم يمتلكوا قطعة خبز يأكلوها.. عندما نذكر أكتوبر نذكر الليالي السوداء التي دعسوها المناضلين والتي كبدوا فيها أعداءنا الانجليز مر المر.. نذكر أكتوبر ونذكر الليالي والأيام التي كان فيها المناضلون يشربون الماء الملوث الذي لا تشربه حتى القرود.. هؤلاء الثوار الذين كانوا يقدمون إلى المعركة وما فيش لهم ضمان بعودتهم أن يحصلوا أيش بايحصلوا؟”.
لتحقيق مبادئ الثورة!
ويتابع :” ماذا أقول.. يحصلوا على الميداليات ولا يحصلوا “الأوفر تايم” ولا حوافز لكن لا يحصلون حتى الماء وما فيش كان ضمان للناس الذين يقدمون أرواحهم من أجل سيادة هذا الشعب هذا “بالخبر اليابس” لم يكن هناك ضمان عند الناس أن يعودوا كما راحوا وهم سليمين، ولكن كان هَم الناس حينها أن يضمنوا الانتصار وتحقيق مبادئ الثورة التي رسمتها.. عندما نذكر أكتوبر نتذكر طيران ومدفعية العدو التي قصفت المواقع التي كان يتمركز فيها أول شهيد للثورة راجح غالب لبوزة الذي من بعد استشهاده انطلق النور لكل فرد من هذه المنطقة لأن يسير ويعرف أن هذه الطريق ستؤدي به إلى المكان الذي يريدة”.
قائد ثورة اكتوبر
لم نتوقف عند شهادة اثنين من مناضلي ثورة 14 اكتوبر “مصلح وعنتر”، ولكننا سنعرج قليلًا لمعرفة قائد الثورة الذي فجر شرارتها في ردفان الشهيد البطل ” راجح بن غالب لبوزة”.
سجّل المناضل لبوزة منذ الوهلة الأولى لاندلاع ثورة 26 سبتمبر 1962م، حضورًا بارزًا. فقد هب مع أبناء ردفان كغيرهم لمساندتها، وكـان الثائر لبوزة في الصفـوف الأولى للمواجهة، وبعد نجاح الثورة في صنعاء، قرر مع بقية الأحرار الجنوبيين ومعهم نخبة من الثوار الشماليين، الانتقال من صنعاء إلى جنوب الوطن لتفجير الثورة هناك.
تاريخ “الجمَّال النحيل”
تعود المُقدمات النضالية للثائر لبوزة إلى العام 1942م، حيث نجح مع مجموعة من بني عمومته بالهجوم على ثكنة عسكرية في جبل الحمراء، تمكّن من خلالها من القضاء على عدد من جنود الاحتلال، ليذيع صيته حينها ، وصار “الجمَّال النحيل” الذي أمتهن جلب الحبوب من الضالع وقعطبة، بطلاً لا يُشق له غبار.
استغل البطل لبوزة الخلاف بين الإنجليز والإمام أحمد، وتوجَُه ومعه أفراد من قبيلته (آل قطيب) إلى السخنة لمقابلة الأخير 1956م، حظي وأصحابه بدعم محدود، ليقوم الإنجليز بعد عودتهم بقصف قراهم، حيث تصدى الثوار ببنادقهم الألمانية للطائرات الإنجليزية، وتمكُنوا من إسقاط اثنتين.
وفي أواخر مارس من العام 1963م، هبَّ أكثر من 300 مُقاتل ردفاني للمساندة والدفاع عن ثورة 26 سبتمبر في شمال الوطن، حيث انقسموا إلى مجموعتين، كان قتالهم في جبال حجة مُشرفاً، وفي قريتيّ الوعيل ومفتاح. سجَّلت المجموعة التي قادها لبوزة أروع انتصاراتها، شهداء وجرحى كُثر سقطوا، ليعودوا بعد ثلاثة أشهر إلى صنعاء، بعد أن أعلن من هناك عن تأسيس (الجبهة القومية لتحرير الجنوب).
أصدرت ذات الجبهة بيانها التحرري، كان لبوزة من جملة الموقعين عليه، التقى بعدها وأصحابه بالرئيس عبدالله السلال وقحطان الشعبي، وتم الإتفاق على فتح جبهة في ردفان على أن يتولى هو قيادتها.
عاد الثوار إلى ردفان نهاية أغسطس 1963م، وحين علم “ني ميلن” الضابط السياسي البريطاني في ذلك الوقت، بذلك أرسل إلى لبوزة ومجموعته، وطلب منهم تسليم أنفسهم، وأسلحتهم، ودفع 500 شلن غرامة على كل فرد، كضمانة لعدم عودتهم إلى الشمال، رد الأخير عليه برسالة قوية أرفقها بطلقة رصاص.
الثائر الأمي
لبوزة الثائر الأمي الذي لا يجيد الكتابة إلا بلغة البندقية، أملى لكاتب رسالته عبارات مُختزلة، خالية من مفردات المهادنة، قال فيها: “لم نعترف بكم ولا بحكومة الاتحاد المزيفة، وإن حكومتنا هي حكومة الجمهورية العربية اليمنية، ونحذركم من اختراق حدودنا”.
استشاط الضابط الانجليزي غضباً، تقدم في اليوم التالي صوب ردفان، فما كان من الثوار إلا أن تمترسوا فوق جبل البدوي المُطل على الحبيلين، لتدور في صبيحة يوم الاثنين 14 أكتوبر 1963، مواجهات عنيفة بين الطرفين، انتهت قبل أن ينتصف ذلك النهار بسقوط لبوزة شهيداً، عن 64 عاماً، متأثراً بشظايا قذيفة مدفعية.
أذاعت إذاعتا صنعاء، ومن القاهرة اذاعة “صوت العرب” النبأ الفاجعة، وفوق قبر الشهيد تعاهد الثوار على مواصلة المشوار، اختاروا ولده بليل قائداً لهم، وجعلوا من وادي دبسان مسقط رأسه مقراً لعملياتهم.
مثَّلت لحظة استشهاد لبوزة بداية حقيقية لمرحلة الكفاح المسلح، جميع الكيانات الجنوبية المسلحة اعتبرتها كذلك، فيما أصدرت (الجبهة القومية) بيانًا حماسيًا جاء فيه: “ونعاهد راجح بن غالب أن نخوض المعركة حتى النصر، مهما كانت التضحيات”، وهو ما كان.
إرهاصات الثورة
أما المناضل “أشرف محمد علي ” أحد قيادات الحركة الطلابية في جنوب الوطن آنذاك، فقد روى جزءاً من إرهاصات ثورة 14 أكتوبر وأحداثها، في حوارات مع عدد من الصحف المحلية نقتبس منها الآتي:
“إن ثورة 14 أكتوبر تفجرت في جبال ردفان الشامخة، وذلك بعد نضجها ثورياً وعسكرياً في الشطر الشمالي من اليمن، خاصة في صنعاء وتعز وإب والحديدة، حيث مثَّلت هذه المحافظات ملاذاً آمناً للثوار، استطاعوا خلالها أن يرسموا مخططاتهم الثورية بدقة بمساعدة رفقائهم من عناصر المد الثوري في الشمال، وذلك بعد أن قاتل الجميع في دعم الثورة السبتمبرية والتي كان لها الدور الأساسي في تفجير ثورة الرابع عشر من أكتوبر”. ويتابع :” في يوم 14 أكتوبر من عام 1963م، انطلق ضوء الفجر من على سفوح وقمم جبال ردفان الشامخة بالبشارة الأولى لميلاد ثورة شعب ظل يرزح تحت وطأة الذل والقهر والعبودية جراء هيمنة المستعمر البريطاني على جنوب الوطن، واستيقظ فيه الشعب في كل مدينة وريف على ثورة غاضبة زعزعت عرش المستعمر البريطاني وزعزعت أركان المشيخات والسلطنات التابعة له”..
بداية الثورة
ويتذكر المناضل أشرف علي، بداية ثورة 14 اكتوبر قائلًا ” فور عودة المناضل راجح لبوزة ومجاميعه من الشمال بعد أن ساهموا مساهمة فعالة في الدفاع عن ثورة سبتمبر وخاضوا المعارك الشرسة ضد الملكيين في مختلف المناطق، وقدموا هناك عشرات الشهداء ومئات الجرحى، وفور وصول لبوزة ومجاميعه بأسلحتهم وبعدد من القنابل والألغام والذخائر وغيرها إلى ردفان، وجَّه إليهم الضابط السياسي البريطاني في الحبيلين (ميلن) أن ذاك رسالة مستعجلة يدعوهم فيها إلى سرعة تسليم أنفسهم واسلحتهم إلى السلطات البريطانية في الحبيلين، إلا أن راجح لبوزة اجتمع بكل المناضلين من حوله وأبلغهم بطلب الضابط البريطاني، وطلب منهم إبداء الرأي فأجمع الثوار على عدم تلبية هذا الطلب، وتعاهدوا على مقاتلة المستعمر البريطاني”.
ويتابع :” بدأ بعد ذلك الثوار بقيادة لبوزة بإرسال رسالة الرفض وقاموا بوضع طلقة رصاص بجانب الرسالة تعبيرًا عن مقاتلة القوات البريطانية، ووضع خطتهم العسكرية والاستعداد للثورة ومراقبة تحركات العدو بكل جدية وأياديهم على الزناد وهم تواقون للقاء العدو ولخوض المعركة، التي بدأت في فجر يوم 14 أكتوبر بعد ان توزع الثوار بشكل مجموعات، وقُسمت المهام فيما بينهم، وأُطلقت الشرارة الأولى للثورة من جبال ردفان ثم تلتها بقية المناطق والمدن الجنوبية بشكل عام”.
تشكيلات عدن
ويعود المناضل بالذاكرة إلى الوراء قليلًا، فيتذكر بداية تكوين التشكيلات النضالية في عدن، فيقول :” أما في عدن فقد بدأت التشكيلات التنظيمية للعمل الفدائي أوائل عام 1946م، وتشكَّلت قيادة للمدينة مكونة من القطاع العسكري والقطاع الشعبي، الذي كان يضم قطاعات العمال والمرأة والطلاب والتجار، وتحمل المسؤولية في بداية العمل لعدة أشهر الشهيد نور الدين قاسم، ثم تعرَّض للاعتقال وأسندت المسؤولية فيما يعد لعبدالفتاح إسماعيل الذي استمر يقودها حتى ما قبل الاستقلال بعدة أشهر”.
ويواصل قائلًا :” كانت العمليات التي شكَّلت البداية هي قصف مبنى المجلس التشريعي في كريتر، وضرب برج المطار وغيرها من الأعمال الفدائية التي استخدمت فيها القنابل على بعض الأهداف في المدينة، وتزايدت تلك الأعمال حتى إن الجماهير في عدن اعتادت على سماع الانفجارات والاشتباكات الليلية بين الفدائيين والقوات البريطانية، وتحولت الجماهير إلى حارس أمين للفدائيين في كل زقاق وبيت وشارع، وكانت البيوت والمحلات التجارية والدكاكين مفتوحة لكل فدائي يريد النفاذ من مطاردة الدوريات البريطانية أو الاختفاء عن أعين المخبرين والجواسيس المنتشرة في الأحياء والأزقة الشعبية”.
التنسيق مع الشمال
وعن واحدية الثورة شمالًا وجنوبًا، يتحدث المناضل اشرف علي بقوله :” كانت العمليات الفدائية تتم بالتنسيق بين فرع الجبهة في عدن والثوار في الشطر الشمالي من اليمن حيث كانت ملامح الثورة قد بدأت تتبلور، وكانت عملية رمي القنبلة على الوفد البريطاني في المطار التي قام بها المرحوم عبدالله حسن خليفة وراح ضحيتها نائب المندوب السامي البريطاني آنذاك، وعدد من المرافقين في الوفد هي الشرارة الأولى لانطلاق الثورة في عدن”.
وحول اسماء اهم الشخصيات البارزة في الثورة، يقول أشرف :”نذكر بعض من الأسماء من أهم الشخصيات البارزة في الثورة منها فيصل الشعبي، وسلطان احمد عمر، وقحطان الشعبي، وعبد الملك اسماعيل، وهو من النواة الأولى لحركات القوميين العرب، وعبدالله عبد المجيد الأصنج، وعبد القوي مكاوي، ومحمد سعيد باشا، وعلي حسين القاضي، وعبد القادر امين، حيث تشكَّلت في مطلع شهر أغسطس 1963م، عقب عودة ممثلو حركة القوميين العرب فرع الجنوب إلى تعز، جبهة للكفاح المسلح، فحصلت الجبهة على التسمية (الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل)، وتشكَّلت من سبعة تنظيمات”.
ويتابع :” وكانت أسماء القيادات المشاركة وانتماءاتهم كالتالي (فيصل عبداللطيف الشعبي من حركة القوميين العرب، و أبوبكر شفيق من الجبهة الناصرية، و عبدالله حسين المسعدي، وسالم عبده عبدالله اليافعي من جمعية الإصلاح اليافعية، و محمد علي الصامتي، وبخيت مليط الحميدي من القطاع السري للضباط الأحرار، و ناصر علوي السقاف، وعبدالله محمد المجعلي من تشكيل القبائل، و عبدالله مطلق صالح من المنظمة الثورية لأحرار جنوب اليمن المحتل، و حسين عبده عبدالله، وعبدالقادر أمين من الجبهة الوطنية)”.
إعلان بيان الثورة الأول من تعز
وحول مدى ترابط ثوار سبتمبر وأكتوبر، فيؤكد على ذلك بقوله :” طبعًا كان هناك ترابط من قبل قيام الثورتين بين قيادات الثورة أو من كانوا يمهّدون لقيام الثورة في الشمال مع المؤتمر العمالي وقيادات الثورة والثوار في الجنوب. وهناك أيضّا قيادات جنوبية شاركت في ثورة الشمال، وهناك ايضا قيادات شاركت في ثورة الجنوب، وتحوّل الشمال لدعم الثوار في الجنوب، وإمدادهم بالدعم بكل انواعه”.
ويتابع :” فمن قلب مدينة تعز دوى البيان الأول بإعلان الرئيس قحطان محمد الشعبي بيان الثورة الأول، بيان إعلان بداية الكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني، وبدء النضال بكل أشكاله من أجل تحرير جنوب اليمن المُحتل، وعلى إثر هذا البيان رددت حناجر الشعب بصوت واحد كلمات بيان الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل في مختلف أرجاء الوطن، ومن قرى وسهول تعز تدفقت الإمدادات بالزاد والعتاد للمناضلين في مختلف جبهات الكفاح المسلح في مناطق الجنوب، وتحولت تعز وقعطبة والصبيحة آنذاك الى ممرات عبور لكل ما يحتاجه الثوار، فمن تعز بدأت إرهاصات الثورة الأكتوبرية ومنها تحركت مجاميع الثوار بقيادة شهيدها الأول راجح بن غالب لبوزة”.
تعز .. وبشارة شارع 26 سبتمبر
وتحدَّث المناضل أشرف علي، عما حدث في تعز عقب تفجير ثورة 14 اكتوبر في جبال ردفان قائلًا : “في شارع 26 سبتمبر في تعز أيضًا، وقف المناضل عوض الحامد ماسكًا بالميكروفون مُبشرًا الجماهير باندلاع ثورة الجنوب وبدء الكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني وأعوانه، وكانت ايضا هناك عملية تواصل بين قيادات الثورتين في الجنوب والشمال كانت تتم سابقّا عن طريق المراسلات والوفود من خلال الذهاب إلى تعز او القاهرة واللقاءات التي كانت تتم بشكل سري أو الوفود إلى عدن التي كانت حاضنة للأحرار اليمنين في الثورتين ومقرهم الرئيسي في منطقة التواهي”.
وحول تحقيق أهداف ثورة 14 اكتوبر يقول :” نستطيع أن نقول بأن نسبة كبيرة من أهداف الثورة تحققت، ولذلك كانت ثورة الـ 14 من اكتوبر ناجحة تماماً في تنفيذ اهدافها المنشودة والرئيسية المتمثلة بطرد المتحل البريطاني وإسقاط حُكم السلاطين”.