صواريخ القسام تُحرج الرياض والدوحة وطهران في الواجهة
قبل أيام لمح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لمحطة “Fox News ” الأمريكية عن إمكانية تطبيع الرياض مع تل أبيب وأردف بالقول بأننا نقترب أكثر فأكثر مع تطبيع العلاقات مع إسرائيل نافياً ما تناقلته وسائل الإعلام المختلفة عن تعليق المحادثات مع تل أبيب، وعقب هذه المقابلة التي سادتها الكثير من الشفافية المُطلقة نزل وزير السياحة الإسرائيلي ” حاييم كاتس” ضيفاً على الرياض والذي مَثل صدمة كبيرة لشعوب المنطقة العربية التي كانت تنظر للرياض على أنها عاصمة القرار العربي وبأنها المخلص والمنقذ للصراع العربي الإسرائيلي بما يكفل حقوق الشعب الفلسطيني وتحقيق سلام عادل وشامل لحل الدولتين
وفي خضم هذا الحراك السياسي الذي قررت الرياض خوضه تماشياً مع نظرائها من دول الخليج فوجئنا جميعاً صباح اليوم السبت بسرب من صواريخ المقاومة الفلسطينية تنهال على مدن إسرائيل التي أصابت عدة أهداف لأهم المواقع العسكرية الحساسة والذي رافقها نزول مظلي لمقاتلين من كتائب القسام مما غير مجرى المواجهة، وبدلاً من أن تكون المواجهة داخل قطاع غزة تحول القتال داخل المستوطنات الإسرائيلية وفي أحياء المدن التي خلت من كافة أشكال الحياة ومن المارة والسيارات وهنا كان عُنصر المفاجئة والصدمة التي أصابت العالم وللحظة لم يعد الجميع يستوعب ما حدث وكيف تم هذا الأمر في لمح البصر.
ولقراءة الأحداث عن كثب وما يدور بين السطور، يُدرك المتابع بأن ما حدث اليوم لم يكن محض صدفة بل دُبر في ليل، فقد كانت قناة الجزيرة خلال الأيام القليلة الماضية وعلى غير عادتها مهتمة وبشكل كبير بالشأن الفلسطيني ولم يكن حينها يوجد أي شيء سوى القليل من المناوشات التي أعتدنا عليها بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي، فكانت تُغطي الأحداث وبشبكة مراسلين من أغلب مّدن فلسطين وإسرائيل حتى كان يُخيل للمتابع بأن هنالك حرب طاحنة بين الجانبين، هذا الاهتمام والتغطية المستمرة جعلنا نوقن بأن القائمين على القناة يرون ما لا يراه المتابع العربي، وبأن ثمة معركة بين الجانبين لا نعلمها ولا نسمع ضجيجها، ليتضح لنا الأمر بأنهم كانوا على علم مُسبق بما حدث اليوم، وبأن طوفان الأقصى لم يكن سوى طوفان قُوض لإفشال مساعي الرياض للتطبيع مع تل أبيب، والذي من خلاله كان سيتم تطويع القضية الفلسطينية للإرادة السعودية بما يخدم مصالحها ويُذيب عنها الكثير من الحواجز التي خلفتها جريمة اغتيال خاشقجي.
لقد سعت طهران والدوحة عبر أدواتهما في قطاع غزة لضرب الرياض ولإفشال مساعي الأخيرة في تحقيق أي مكاسب سياسية من خلال التطبيع الذي بشر به محمد بن سلمان، ولعل توقيت ما حدث يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن هنالك جهات يقفون خلف هذا العمل العسكري الذي أربك المحتل الإسرائيلي وغير من المعادلة العسكرية التي أخذت منحنى آخر غير الذي عهدناه منذُ ما يُقارب الثلاثين عام أو أكثر.
وبعيداً عن العاطفة الدينية للمقدسات ولمظلمة ومعاناة الشعب الفلسطيني فما حدث اليوم قد يخدم الكيان الإسرائيلي الذي وظف هذا الهجوم لصالحة وظل في وضع المتفرج وهو يُشاهد عناصر المقاومة الفلسطينية وهم يقتحمون المدن والمستوطنات ويعتقلون العشرات ويسحلون الضباط والمجندات، وكأنه كان ينتظر ردة فعل تعاطف دولي تجاه ما يقوم به أبطال المقاومة الفلسطينية ليبدأ عملية الرد والانتقام بوحشيته التي نعرفها، وهذا ما حدث بالفعل، فقد كان الرد ومازال مُدمر ويفوق قدرات الشعب الفلسطيني الأعزل الذي أضحى على صواريخ طيران الاحتلال وهو يكبر الله أكبر، الله أكبر، مستجيراً بالله ومستعيناً بقوته وحوله.
لا شك بأن الكيان الإسرائيلي كيان مختبري تؤكد وقائع الأحداث بأنه غير قابل للاستمرار، وبأن قوته العسكرية مجرد بالونه مملوءة بالهواء قابلة للاختفاء في أي لحظة في حال واجهة عمل عسكري منظم، لكن الإسرائيليين تكمن قوتهم في الجانب السياسي أكثر من الجانب العسكري وهم يعولون على السياسة أكثر، التي خدمتهم لأكثر من سبعين عام، فالتحشيد الدولي وكسب المواقف السياسية خاصة بالصراع العربي الإسرائيلي أهم لإسرائيل مما قد تحققه على الأرض، فهي تسعى وكعادتها لانتزاع غطاء دولي لتقوم بعملية عسكرية هي الأقوى دموية والأعلى تكلفة كما أعلن عنها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ونستطيع القول بأن هذه المعركة ستطول لأشهر وربما أكثر، فليس أمام المقاومة الفلسطينية اليوم سوى الاستمرار في التوغل وضرب العدو الإسرائيلي في العُمق، وإلا فلن يقوم لها أي قائمة في حال تراجعت أو في حال انتصر العدو.
عموماً بدأت المعركة في أوج قوة الفصائل الفلسطينية ولن تنتهي إلا بخضوع الكيان، وإطلاق كافة المعتقلين الفلسطينيين خاصة وأن المقاومة باتت تملك ورقه قوية وهي الأسرى الذين بحوزتها، أو لربما وهذا مالم نتمناه تنتهي بانتصار تل أبيب، وإن تم هذا فلن يكون هنالك أي مقاومة تذكر في قطاع غزة أو رام الله وسيتم القضاء عليها للأبد، وهي فرصة للكيان لن يفوتها إلا بالقضاء الكامل على كافة أشكال المقاومة الفلسطينية أو بخضوعه لإرادة الفلسطينيين.