منبر حر لكل اليمنيين

سبتمبر الحاضر في كل الأوقات

14

عندما نرى كيف يتصرف الحوثيين وبشكل يومي مع اليمنيين أفرادا وجماعات وقوى سياسية ودينية نساء ورجال أطفال وشيوخ ومذاهب، ندرك تمام الإدراك ماذا يعني (سبتمبر) بكل عنفوانه وجبروته وصلابته وجوهره، سبتمبر بأهدافه الستة وقاداته العظماء، سبتمبر الذي شكل مرحلة فارقة في ذات الإنسان اليمني وكرامته وحريته وتاريخه.

مشاهد وأحداث برزت منذ مطلع التسعينات وترسخت بصورتها البشعة وفكرتها السيئة مع الحروب الستة حين كانت اليمن في أوج العطاء والنهوض السياسي والاقتصادي وكأنه كان هناك من يتربص بالجمهورية والإنسان اليمني والجغرافية التي توحدت في غفلة من المصالح الكبرى بإرادة صلبة وقيادة حكيمة وشعب جسور صبور تدفعه الطموحات إلى مواكبة التطورات واستحضار التاريخ بوجه جديد ومشرق.

لقد صنعت جماعة الحوثي خلال العقدين الماضيين ما لم تصنعه جماعة تجاه مجتمع يحمل كل القيم والثوابت والأعراف والعادات والتقاليد وحب الآخرين، متنوع مختلف ومؤتلف، يحل ويعقد لكنه في النهاية ثمة نقاط التقاء وفوارق يتم اذابتها بكل الممكنات، قبل أن تبرز هذه المليشيا وتطيح بكل ما تراكم من تحديث وانجازات، ليس ذلك وحسب بل أنكرت على اليمنيين كل منجزاتهم وروافد الجمهورية، ونسفت كل الثوابت التي تخلقت والثمار التي قطفت، والأشجار التي كبرت والأعلام التي رفرفت بألوانها الثلاثة.

هي اليوم تحاصر الرمزية التي تشير إلى أعظم تحول في تاريخ اليمنيين، العلم الجمهوري الذي انبثق عن ثورة 26 سبتمبر الخالدة وتضحيات الرجال من أبناء اليمن الذين حملوا على عاتقهم الخروج من نفق الظلام الذي صنعته الإمامة بخبث، أغلقت البلاد على العالم ونشرت الرعب والخرافة، وطوقت المتنورين وأصحاب الشأن بالأفكار الهدامة، وأدعت أن الآخر شبهة وأنه طامع، وحذرت من التنقيب في الأرض واستخراج الثروات وبناء المدارس والجامعات والمعاهد، مكتفية بالكتاتيب التي لم تكن سوى مراكز لنهب الأفراد أقواتهم من الخبز والبيض والسمن والعسل والمدخرات، ليس ذلك وحسب بل تزامن مع ذلك تركيع المواطن والطالب من خلال تقبيل الركب والأيادي والرؤوس في صورة تعيد إلى الأذهان أسوأ مراحل العبودية تحت يافطة السلالية والمذهبية والادعاءات الزائفة والتمسح بالنبي محمد وبناته.

سبتمبر ليس جملة عابرة ولا توصيف روائي ولا شهر يشبه كل الشهور، سبتمبر دستور وشرارة أضاءت جزء معتم في أهم بقعة من الكرة الأرضية، جنوب الجزيرة العربية بكل تاريخها وقبائلها ورحلات الصيف والشتاء، بقعة مضيافة كريمة تعين المحتاج وتنجد المظلوم وتكرم الإنسان.

لقد شكلت جماعة الحوثي الارهابية حالة استثنائية في مجتمع أقرب للسلام من الحرب، متطلع للنهوض متصالح مع حاله، مبتهج بمنجزاته ويسعى نحو الأفضل، قبل أن تحل الانتكاسة ويخفت وهج الجمهورية، وتذوب الديمقراطية وتتبخر الحريات، وتعدم الإذاعات والصحف، ويتم اسكات الأصوات، وحصر السلطة في فئة محدودة، وتسخير الموارد لإحياء مشروع ظلامي كهنوتي حامل لأجندة خارجية.

إننا أمام مشروع موت وعلينا أن نصلي ونسلم ونبتهل من أجل سبتمبر جديد، سبتمبر لا يموت ولا يمكن طمسه من قبل جماعة شذت عن المجتمع وخرجت عن المألوف وأدعت الوصاية لتسلب حقوق الناس وأرواحهم وتدمر مستقبلهم.

تعليقات