خمسة وثلاثون طعنة في ظهر الغيب
يا الله لم أعد غبية
ابني الضائع مازال
كضوء شمس متواضعة
في ابتسامة شارع مهجور
كرائحة طين بين أصابعي
وصرير الذكريات المؤلمة…
*
يا الله على هامش البكاء
هناك قلبي المنهوب
ومشاعري المثقوبة
والكثير من الأوجاع
يا الله ابني مازال عالقًا هناك
يرسم بيديه أنوثتي المقتولة
ووجهي الغربب…
*
يا الله للحزن عين فضفاضة
ترصد الأفراح المنتصبة
تخذل الحلم بمرارة غصة عميقة
تخذل أمنيات مسكونة بالانتظار
وتنصب خرائب الروح المذنبة…
*
يا الله من يقتل الشوق في قلبي
ويصفق للهزيمة
من سوف يحرق قصيدة أخيرة في وداعي
ويشعل الغيرة في عمق النسيان…
*
يا الله المدينة نائمة
على ذراع يده الصغيرة
كصلاة عابرة المدى
وكقطعة حلوى على فمه
كذكريات حب خارج الوقت والملل
يأكل جسد النشوة والحيرة..
*
يا الله لم أجد وجعًا مثل وجعه
ولم أرى وجهًا كوجهه
ربما سوف يدع العالم يفض بكارة الحنين
ويعود سالمًا إلى روحه
يطوف شوارع” كربلاء” المقدسة
ويصلب صدى الخطوات…
*
يا الله ها أنذا أرسم على الحيطان
عينًا بوسع جريمة لا تغتفر
وصدرًا بوسع نافذة
وأرجلاً بوسع رصيف
ها أنذا أضع الحياة
في جيب رجل أعمى
لا يدرك من المشهد أي شيء
يتتدلى من أعلى شامة
هشًا وجريحًا
يرتعد له الجسد
ويصفق له طبل حزني
وإكليل ياسمين عانس
على سياج الفقد…
*
يا الله هل لهذا الحزن نصف هزيمة
ونصف خرافة جنوبية
في أيدي متسولة على أبواب الضوء…
ها أنذا وحدي مهملة وطريدة
لا أستطيع النواح
والذئاب ساكنة
خلف ضحايا الماعون…
*
يا الله لا أحد يشبه هذا الخواء
سوى آلهة الخذلان
وطفل يتلو تاريخ آلالام
بيده قبلة من رماد
ورغيف طاعن في ممرات بائسة
لا يشبع منه الجياع…
*
يا الله أنسج من الخيال قميصاً له
ومن الشوق أحذية ورد
لقد كبر كثيراً
ولم يعد طفلاً يلهو
يشتري من زمن الحرب ألعاباً مفخخة
وقساوة مفتعلة
تضرب كل أفكاري بالخسائر….
*
يا الله رأسي خوذة صدئة
بداخلها بيوت مفتوحة على المصائب
وقصائد مجمدة للموتى
ونبيذ لوقفة عارية…
يا الله خمسة وثلاثون طعنة في ظهر الغيب
كفيلة أن تقتل أحلامًا كثيرًة
أن تبتر الرغبة في كل شيء….
*
يا الله الفوضى كثيرة وباردة
تجهض ترتيب نفسي من هذا الشتات
تجهض كل الموعيد المسبقة
كي لا أحتصن ابني
ابني الصغير الذي مازال هناك
في قبضة يده جوز أخضر
وفراشة بلون التراب…
*
يا الله هؤلاء البشر طحنتهم المآسي
لا يشعرون بالمجازر المهولة داخل عقلي
بالجثث المحترقة في ذاكرتي
بالعقرب الوحيد الذي لدغني
وتركني على حد صراط مائل بالعذاب…
*
يا الله كم هو الطريق طويل وشاق
وأنا أحمل إبتلاء نملة طائرة على ظهري
تدس خوفها في جلدي
ومخالبها في رئتي..
لا شيء على جلدي في هذا الشتاء
سوى زنزانة وطائر “عراقي” حائر
يحط اثقاله على متن أنوثتي
شهي خلف عزلته
يثير اهتمام الفتيات الصغيرات
ويجر قلبه خلفه بالكثير من المتاعب
وبطلقة خبيثة واحدة
يودع الطائر أنفاسه الصعلوكة
في الهباء…
*
يا الله ابني الخائف سوف يكون شاعرًا
يطوي جسدي كوطن مكلوم
يشعل الماضي بطرف تنهيدة
ويغزل من شعري أكوامًا من الصمت…
يطوي ركام ظلي الشريد
من غربة الأمكنة
وزفير الأبواب والأحجار
يطوي قلبي المنكسر
تحت حطب شجرة عاقر
لا أبناء لها
سوى كلب واحد
ينبح كلما رأني أصلي…
*
يا الله أحتضن هموم الموتى وأنام
ففي الصباح سوف تفتح قبورهم
ولن تتسع هذه السماء لصرخاتهم
وهم يغسلون ذنوبهم بغيث من نار…
سوف تفتح الأسرار
وتقام الولائم لإستقبال
الشعراء منهم
واللصوص
والفقراء
وخمسة أعوام من عمري
كانت أسرابًا من الأوجاع والتضحيات
وطفلاً من فيض هذه الأرض.