منبر حر لكل اليمنيين

لا أشعر أني على ما يرام،

31

لا أشعر أني على ما يرام، احتاج لوقت طويل لأتأقلم مع المرارة، وطن مكسور يبدو انه يعوم في ظلام دامس. انظر ولا أرى سوى حفنة من الأشباح يلاحقون مكاسب شخصية، وبطولات وهمية، على ضريح وطنهم. وليس هناك من لديه الشجاعة ليقل، كنا مخطئين، انا حين أعشق شيء أحتاج كثير من الوقت لأتصالح مع المرارة التي اشعر بها.
لا يتعلق الأمر بحب، فالجميع يحب وطنه وعلى طريقته، لكن وسط الجحيم الكل يبحث عن نجاة، وتركت مصيري فيه. أردت ذلك بالفعل. لكني لن أبكي بقرب الضريح، سأنعيه بطريقتي، هذا الوطن الذي حلمنا ان يغدو آخر. وتراءى لي في حلم، مرة مثل مدينة مزدهرة، ومرة لطخة قرمزية تغطي خريطته.
غفونا لنصحو على كابوس. لن أردد الشعارات، ولن أغني محتفلا بأي ذكرى، لدي ندبة مثل الليل. اا أدعي ان هذا شعوري فقط، انه شعور كثيرون، بعضه يتخفى باليأس، تلتهمه ضرورات البقاء حتى أخر نفس.
لكني لم أفعل شيء، قلت كلمات ومضيت، بعضها أصابت وأخرى لم تصب. استسلمت لعواطف جرعتني آمالا زائفة أحيانا، وتمسكت بالعقل أوقات. وماذا يعني ان نتحدث بصدق، في نخاسة كبيرة لبيع الأكاذيب والوهم. ففي ضجيج النخاسون وأصداء الملاعق على الأواني، يتهاوى صوت الهمس. لست بطلا من هذا الزمان، فقط كنت خائبا مثل الجميع، ومهزوما مثلهم. وليست البطولة فضيلة، في عصر التفاهة.
وقلت في نفسي، اذا كان بمقدوري ترك همسات مثل موسيقى جميلة سأبقى، لأن هناك ما يدفعني للبقاء، او فلأذهب دون ضجيج الى النسيان. أغمضت عيني، وفتحتها منهكا، وقلت انا مضطرا للبقاء حتى أخر نفس، كان هناك عذابات او لذة نسرقها خفية، مثل حرية محظورة تتهرب وسط الريح، تلقح زهرا بين الشوك، وتحمل وشما وسط حدائق البارود. فنحن مجبرون على الحياة، لأنها تمضي وليست معلقة بانحسارك.
فقط، لنفعل ما تبقى منا بأفضل الطرق الممكنة. فالحياة هي الفينيق، مهما غدت رمادا تنبعث مجددا، والرماد هو الأثر، الغبار الذي تتشكل عليه حياة أخرى، ستتناقلها النحلات، وستزهر يوما ما.
فالنار تتقد مهلا، تتجمش في أغوار الحقيقة، لأن الحياة تعرف كيف تجدد نفسها، وقال العلامة ابن خلدون الفوضى هي اولى خطوات الإصلاح. فقط لنبتعد عن العواطف الخادعة، لنهرول من تلك اللزوجة التي لا تسمح للواقع ان يظهر. العاطفة جيدة في الحب الصادق، في التآزر ودعم المضطهدين، عدا ذلك، فإنها تزين الرخيص، وتسمح للشيطان ارتداء ثوب الرب.
وأظن اني ارتديت زي حكيم مضجر، حتى أتخلص من كابوس صرت له قربانا مثل اسماعيل. يبدو اني ايضا غاليت في هذا التشبيه، ليكن اسماعيل، ما الضرر؟

تعليقات