مخاض الحوثي وتَعَسُر الولادة
تسعة أعوام كانت كفيلة بتعرية شعارات عبدالملك الحوثي وجماعته الذين أدعوا زيفاً محاربة المملكة وخاضوا معركتهم ضد اليمنيين ليكتفوا بسلام صاغته الرياض يضمن مصالحهم ويضمن استمرار ما تبق لهم من أجندات ومشاريع يمضون بها نحو يمن مفتت وممزق بلا سيادة أو قيادة، يحكمه الملشنة وتسوده الفوضى وحكم الجبايات بمباركة إيرانية وبترحيب من الضاحية الجنوبية.
من بعيد شاهدت أمامي مسرح للجريمة، الجريمة التي حولت حياة اليمنيين لبؤس شديد، الجريمة التي قضت على النظام الجمهوري واستبدلته بنظام كهنوتي يحكمه أحفاد التخلف والرجعية، وليس مسرحاً لصنع السلام، عرفت حينها أنها مقبرة يتم تجهيزها لتشييع جُثمان دولة النظام والقانون والمؤسسات على أكتاف وفد صنعاء وبمعية الأشقاء في الرياض ومسقط، وبدلاً من أن يتخذوا طريق السلام العادل الذي يؤدي لحفظ الحقوق والحريات والعدالة الاجتماعية والمساواة بين جميع شرائح المجتمع، سلكوا طريق ملفوفة بالضباب وبالكثير من المخاطر
وقفت أمام هذا القبر الكبير الذي يُراد له أن يكون للجمهورية اليمنية، حتى حان موعد إغلاق المقبرة، عُدتُ إلى ذاكرتي المُنهكة بالكثير من الذكريات والمواقف، استرجعت ما كان يقوله الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح، بأن اليمن مقبرة الغزاة، تمرجحت أمامي صورة وفد الحوثيين المُغبرة برمل رياح الرياض وهم عائدون إلى صنعاء، وبدأت بالقراءة عن الغُرباء في المدينة، عن الدُخلاء الذين لا يمكثون كثيراً، وأيقنت بأنها النهاية وإن كانت التوقعات لا تُشير لذلك لكن المعطيات على الأرض أصدق القول وأوضح البشائر
كان العالم يتغنى بأناقة صنعاء وأناقة ليلها الدافئ، كان يحسدنا على خصر صنعاء الوارف وعلو جيدها وكتفها الممتد من المهرة حتى صعده، وبلا شك أننا نعرف ما معنى أن تمتلك صنعاء كتفاً مقتدراً على حمل الثقال ومجابهة التحديات التي جعلت منها عُرضة لاختطافها ومصادرة قيمتها الإقليمية والدولية، صنعاء التي كان ينام على يسارها السُياح من جميع أنحاء العالم، وعن جنوبها تُحاول عدن أن تغفو قليلاً من زحام الزوار، حيثُ كان يحرسهم الزعيم الصالح بالضمائر الحية، هي صنعاء اليوم والغد عصية على أن تكون سلماً للمصالح الإقليمية ولتلك الأطماع التي داهمتنا ليلاً بطائراتها وغاراتها الهمجية
تُحاول اليوم بعض الأطراف الإقليمية تسريع ولادة نظام جديد في صنعاء وهي ولادة متعَسرة ومخاض صعب لن يُكتب له النور ولا النحاة، وهو ميت من قبل أن يولد، ولا يمكن له التعايش مع الجميع بل وترفضه الأرض قبل الإنسان اليمني، مخاض من صلب قُم يُساعد على ولادته فريق طبي شقيق تكفل بنشأته وتربيته ودعمه المتواصل، لكنه ميت وسنُشيع جثمانه من قلب العاصمة صنعاء عهداً ووعداً
أيها الأشقاء لم نعد ننظر الى الوراء كما كنا نفعل لنسعف المتأخر، بل نُسابق الزمن لِنكمُل بمن تبقى منا من الشرفاء، فصيد الحرية لا يأتي بأفخاخ العصافير، بل بحُسن النوايا وبالجهود الأخوية الصادقة، ولذا لم نعد نعتب على أحد، يكفينا ما أسسه لنا صالح من حضارة نهضة وقيم ومبادئ كاملة التي نُحارب اليوم الأعداء بها ونُحارب لبقائها، لذلك نحن اليوم نكتب ما هو مختلف عن الناس، نكتب ما يتم تغيبه عن الناس من حقائق ومن تمرير لمخططات تستهدف وحدة التراب الوطني، يراه غيرنا للأكل وللاسترزاق، ونحن نراه قنديل الكائنات ضياء
استقبلتم الغُرباء بقصوركم، ونصبتم لنا الخيام التي نربأ أن ننصبها لأحد، ولم نكن ننظر في غير مرايانا لنعرف ذواتنا، لكننا حين نظرنا في مرايا غيرنا عرفنا كم نحن يمنيين وأعزاء، لم يضع اليمني أمواله في البورصات ولم يخشى هبوطها، لكنه كان يُدرك جيداً أن للحرية سلة من عملات الدمع، واحتياطي من ذهب الكرامة لا تهبط أبداً.