منبر حر لكل اليمنيين

الثورة اليمنية والتحديات الراهنة

36

لا غرو في القول أن ثورتي سبتمبر واكتوبر كانتا بمثابة فجر جديد انبلج من أعماق التاريخ والحضارة اليمنية ليزيح ظلام قرون عدة من  السلالية والطائفية والاستعمار الأجنبي.

من يريد أن يسأل عن مدى تحقق شروط الثورة في تلك الثورتين عليه فقط أن ينظر إلى الواقع الذي كان يعيشه اليمن في تلك الحقبة الصعبة والتي التقى فيها ثالوث الفقر والمرض والجهل ليصنعا من الشعب المقهور مجرد مخلوقات تعيش تحت ابشع سلطة متخلفة ومتسيدة على أبناء الوطن تحت شعارات زائفة من تفوق السلالة والائمة في الشمال والبريطانيين المحتلين في الجنوب.

كان اليمن قبل انبثاق سبتمبر الخالد واكتوبر المجيد مجرد رقعة جغرافية معزولة عن العالم ولم يكن أحد يسمع عن اليمن الا انها استقرت في هوة عميقة لا تستطيع أن تخرج منها فلا تعليم ولا صحة ولا تجارة ولا صناعة ولا جيش حقيقي بل انها كانت بلاد تغفو على حلم ذي يزن وعرش بلقيس.

حقيقة لم تتعرض ثورة في التاريخ مثلما تعرضت له ثورتي٢٦ من سبتمبر و١٤ من أكتوبر المجيدتين من طعنات غادرة كما يحصل اليوم، أليسا هما ايقونتان وامتداد عريق لكفاح الشعب اليمني والحركات الوطنية.

لقد فجرت الثورتان الطاقة الإيجابية لدى المناضلين الذين استطاعوا التخلص من الحكم الفردي المستبد كما تحرروا من الاستعمار البغيض وقدموا الغالي والنفيس إلى أن قام النظام الجمهوري بأركانه واساساته المتينة التي دعمت عملية التنوع وركزت على الإنسان ومتطلبات بقائه.

في الواقع لقد خَلقت جيلًا جديدًا بفضل التحولات التي أحدثتها من خلال التسلح بالعلم والسلام والمحبة واحترام الآخر والإيمان بالتنوع.

لذلك بلا أدنى شك تعتبر الثورة اليمنية هي التحول الأكبر من نظام ملكي وراثي مستبد رجعي إلى نظام جمهوري حديث، ومن مجتمع معزول إلى مجتمع جاهد بكل الامكانيات للحاق بركب التطور وإيجاد حياة أفضل متجاوزا كل التحديات التي اعترضت طريقه.

ومن أجل أن تتوج هاتان الثورتان المفصليان في تاريخ الشعب اليمني والإنسان الطامح إلى الارتقاء بذاته وكيانه وتاريخه العريق، كان لا بد من حضور الدولة والتأسيس للنظام والقانون، وبناء المؤسسات التنموية والثقافية والاجتماعية وصولا إلى الشروع في انتهاج الخيار الديمقراطي، الذي كان بمثابة الضوء الذي أعطى للفرد حق التعبير عن رأيه واختيار من يمثله في السلطة.

لقد أرست أهداف الثورة الستة اللبنة التي قام عليها نظام الحكم خلال خمسين عاما مضت، حيث شكلت التراكمات حلقة كبيرة اتسعت مع صعود الرئيس الراحل الشهيد علي عبد الله صالح حتى بلغت ذروة المجد والتألق، وكذلك فعلت ثورة أكتوبر التي شكلت توأمة صلبة تكللت بالتحرير من قيود الآخر المستبد.

تحققت الوحدة وتم تشييد البنى التحتية بمختلف أشكالها في الصحة والتعليم والاتصالات والزراعة والتصنيع والطرقات والنفط والغاز والطاقة عموما؛ كترجمة واضحة لتلك الأهداف النبيلة، بالتزامن مع توسيع قاعدة المشاركة الشعبية وترسيخ الديمقراطية والتعددية السياسية وافساح المجال لمنظمات المجتمع المدني والمرأة للمشاركة في عملية التنمية.

كما صاحَب هذه المراحل العديد من الأخطاء نتيجة الواقع المعقد وانعكاسات الصراع الدولي والإقليمي بين الرأسمالية والاشتراكية والتباينات المختلفة في الإطار العربي الواحد إضافة للقضية الفلسطينية، غير أن تجاوز هذه الحلقات إلى جانب الصراعات والخلافات الداخلية كان بحاجة لمزيد من تراكم الرؤى والمشاريع وليس القفز نحو الهاوية.

الحديث عن الثورة شمالا وجنوبا حديث يطول. واليوم هناك أمور عديدة تستدعي الكتابة والتذكير بهذا الحدث الفارق في حياة الشعب اليمني في ظل التآمر الداخلي والخارجي ومحاولة تغييب كافة المكاسب التي تحققت خلال العقود الماضية من أجل إشاعة الفوضى وإعاقة أي عملية تنموية مستدامة.

ناهيك عن أن هناك من يحاول عزل اليمن تماما عن محيطه العربي وعن العالم وتدمير كافة قدراته والسيطرة على مقدراته من أجل أن يبقى ضعيفا بلا إرادة وبلا قرار، محطم المعنويات غير قادر على الإبداع والبناء.

وهذا ما يتضح بشكل جلي من خلال العديد من التحديات التي تكمن في محاولة بعض القوى إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء سواء بعودة عهد الإمامة أو التراجع عن الوحدة ومكتسبات الثورة والجمهورية؛ وإعادة إنتاج مشاريع طائفية وسلالية ومناطقية وشطرية كريهة، وإظهار عدم التسامح تجاه الرأي الآخر.

كما أن الإنسان لم يعد محور الحياة لدى هذه السلطات التي تسابقت على الكرسي، ولم يعد هناك أي اهتمام بالمواطنين، وهذا يتكشف من خلال التجاوزات اليومية والقتل واقتحام البيوت، وعدم عمل أي اعتبار للحرمات والقيم، وحرمان الناس من أبسط حقوقهم المدنية والمعيشية. ما يجعلنا نستعيد فترة ما قبل التثوير وما تم قطعه من مشوار في كل هذه الاستحقاقات.

إضافة إلى ذلك استمرار الحرب العسكرية والاقتصادية وتفكيك اليمن ونسيجه الاجتماعي، واستخدام اليمنيين أدواتا لتحقيق الاهداف الخارجية ووقودا لمعارك وهمية والتراجع عن الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية والحقوق والحريات العامة، وممارسة القمع والإستبداد، بالاستيلاء على السلطة بالقوة بعيدا عن صناديق الاقتراع.

إضافة الى ممارسة الإقصاء والتهميش للقوى الوطنية والكوادر والكفاءات المؤهلة والاعتماد على الولاءات بدلا عن أهل الخبرة والجدارة، والاستئثار بالسلطة والثروة وممارسة الفساد بكل أشكاله، وتخليق الهويات الصغيرة، وتدمير النسيج الاجتماعي والتلاحم الوطني.

نحن بحاجة اليوم إلى معالجات حقيقية  لإيقاف انهيار الدولة وفي المقدمة منها سرعة العمل على وقف الحرب واجراء مصالحة وطنية شاملة لايستثنى منها أحد، ترتكز الى الشراكة بضمانات إقليمية ودولية، واحلال السلام العادل والشامل والدائم، وتكريس الاستقلال والسيادة الوطنية، ورفض التبعية أيا كان شكلها ونوعها، كانعكاس لأهداف الثورة العظيمة.

تعليقات