موقع يمني ينقل شهادات حية عن معاناة الصيادين اليمنيين مع النظام الارتيري
جبرت الأوضاع المعيشة الصعبة آلاف الصيادين اليمنيين على المخاطرة بحياتهم في البحر من أجل صيد الأسماك الذي يمثل مصدرَ رزقٍ رئيساً لأفراد أسرهم.
لا تكمن خطورة رحلة الصيد في مياه البحر الأحمر على الألغام البحرية التي زرعتها الميليشيات الحوثية، ذراع إيران في اليمن، فقط.. فهناك خطر أكبر بكثير داخل المياه الإقليمية اليمنية والمياه الدولية يتمثل في جرائم الاختطاف والتعسفات التي يتعرضون لها على أيدي قوات البحرية الإريترية التي تقوم بشكل دوري ومستمر بعمليات القرصنة على قوارب الصياد ونهب معداتهم ومكائنهم التي تصل لملايين الريالات.
الحالة الاقتصادية الصعبة التي خلفتها الحرب العبثية التي تقودها الميليشيات الحوثية بدعم من إيران، وانعدام فرص العمل وتفشي الفقر إلى مستويات متدنية، دفع الكثير من الصيادين إلى العودة للبحر وممارسة ما يجيدونه على مدى سنوات طويلة من حياتهم.
“نيوزيمن” أجرى جولة استطلاعية في سواحل جنوب الحديدة، التي يتواجد فيها أكثر الصيادين تضرراً من الحرب الحوثية والممارسات التعسفية التي يتعرضون لها قرب الجزر اليمنية على أيدي القوات الإريترية التي أصبحت، بشهادة الصيادين، تنتهك السيادة اليمنية بشكل متكرر وتحت مبررات كاذبة وغير صحيحة.
قرصنة بحرية
على مدى السنوات الماضية احتجزت القوات الإريترية المئات من الصيادين اليمنيين أغلبهم من مناطق جنوب الحديدة أثناء قيامهم برحلات صيد اعتيادية في المياه الإقليمية اليمنية وقرب الجزر اليمنية. ويتم احتجاز الصيادين في سجون إريترية وسط أعمال تعذيب وإجبارهم على أعمال شاقة قبل أن يتم الإفراج عنهم بعد نهب قواربهم ومعداتهم.
أحد الصيادين المفرج عنهم، يدعى خالد عبدالله عَقد، قدم شهادته لـ”نيوزيمن” بالقول: “اُعتدي علينا من قبل البحرية الإريترية بالقرب من جبل حُنيش في البحر الأحمر، يقولون لنا الجبل حقكم، والبحر حقنا. ما تقوم به القوات الإريترية عملية قرصنة بقوة السلاح. ضربونا بأعقاب البنادق وصادروا كل أموالنا وقواربنا”.
وأضاف عقد، وهو يروي قصته المؤلمة أثناء رحلة الصيد والبحث عن لقمة العيش: “تعرضت للسجن مدة ثلاثة أشهر مع الضرب والأعمال الشاقة والإهانات، 2 سبتمبر الماضي تم إطلاق سراحي مع 92 صياداً؛ ولا يزال هناك 45 صياداً داخل السجون والمعتقلات الإريترية”.
تعذيب جسدي ونفسي
من جانبه الصياد عبده علي عاقل، البالغ من العمر 50 عاماً، استعرض جزءًا من التعذيب الجسدي الذي تعرض له، ولا تزال علامات الضرب موجودة عليه بالقول: “لا تعرف القوات الإريترية كبيرا في السن أو صغيرا، فالكل يتعرض للضرب والإهانة والإجبار على الأعمال الشاقة”.
وأضاف: “كنا نصطاد في المجرى الدولي وقرب المياه الإقليمية اليمنية وتم تعقبنا ومحاصرتنا من كل جانب”.
وتابع الصياد المسن: “تم الاعتداء علينا داخل المياه اليمنية، واختطافنا ونقلنا إلى معسكر ترمه في إريتريا؛ حيث تعرضنا لأسوأ معاملة من ضرب وإهانات بعيدا أن أي تعامل إنساني مع المحتجزين”.
وواصل الصياد عبده حديثه بالقول: “تم إخضاعنا وعشرات الصيادين الذين تم اختطافهم لأعمال شاقة بحمل الأحجار الثقيلة لبناء مشاريع وإصلاح طرقات، وكنا نتعرض للضرب أثناء العمل وكأننا عبيد لديهم وليس محتجزين ولنا حقوق وكرامة”.
وأضاف: “كنت أقول لهم أنا إنسان كبير في السن، وأعاني من انزلاق في العمود الفقري وأجريت عملية جراحية؛ إلا أن رد الجنود يكون دائما استفزازيا “مت.. مت”. ويتم ضرب الصيادين حتى أغمي على البعض منهم جراء الاعتداءات”.
واختتم حديثه بتفاصيل الحرب النفسية التي يعاني منها الصيادون المختطفون بشكل يومي بدءاً من الحرمان من الأكل والمياه داخل السجن؛ “كنا نموت في اليوم مائة مرة بسبب الحالة والوضع الذي نعيشه داخل السجن، ولا يأتي أي أحد من سفارتنا أو حكومتنا للاطمئنان على صحتنا أو وضعنا؛ يتم تركنا نعيش معاناة نفسية وجسدية لا يمكن نسيانها”.
قرصنة واضحة
الصياد اسم بات منسياً في هذا البلد، يكافح ويصارع الجوع وهول الأمواج وتقلبات المناخ، لتعصف به الأقدار على حين غِرَّة، بين قرصنة واعتقال وتعذيب جسدي، ومصادرة للقوارب ومعدات الصيد المقدرة بملايين الريالات.
يواجه الصياد اليمني هذه المعاناة في رحلة البحث عن لقمة العيش مخلفاً وراءه أفراد أسرته الذين ينتظرون عودته بفارغ الصر ليسدوا جوعهم، دون أي حماية من قبل الحكومة.
هُربي حسن، مدير عام الموانئ السمكية لقطاع البحر الأحمر، لخص معاناة الصيادين بالقول: “الصياد يذهب للبحر تاجر مجهز معدات للصيد مقدرة بملايين ويرجع فقير” بعد أن تصادر كل ممتلكاته وتهان كرامته وتسلب حريته.
واستهجن هُربي الوضع الحالي الذي يعيشه الصيادون: “هذا الشيء لا بد أن يتم وضع له حد من قبل الحكومة اليمنية. أصبحنا كل 15 يومة نستقبل من إريتريا مجموعة من الصيادين الذين يتم ترحيلهم إلينا بعد أشهر من الاحتجاز”.
وقال المسؤول اليمني: “لا بد على السلطة المحلية بالحديدة ممثلة بالمحافظ الدكتور الحسن طاهر، أن يهتم بهذا الملف، ويتابع قضيتهم، كونهم يمثلون أهم شريحة في المحافظة والمجتمع اليمني، والاهتمام بمعاناتهم”.
القضية أزلية
مدير مركز الإنزال السمكي بالخوخة سعيد عبده، ذكر أن قضية الصيادين واعتقالهم أزلية، ليست مشكلة حديثة. كاشفاً عن اتفاق أبرم في التسعينات، أعطى الحق للصياد اليمني أن يصطاد في المياه الإقليمية اليمنية والجانب الإريتري كذلك، أي يعني تبادل حق الجوار، لكن الجانب الإريتري وفي ظل هذا الوضع زادت انتهاكاتهم وتعسفاتهم بحق الصيادين.
وفي مداخلة تلفزيونية عبر قناة “اليمن اليوم”، تحدث هشام الرفاعي، رئيس جمعية الريادي التعاونية السمكية، عن كيفية اختطاف السلطات الإريترية للصيادين اليمنيين، ووصفها بأنها عملية قرصنة متكاملة.
وزاد: “كل ما يذهب الصياد للبحث عن رزقه في البحر من الإقليم اليمني أو حتى وإن اقترب مسافة بسيطة دون أن يشعر نتيجة الرياح، تباشره الدورية الإريترية بعملية قرصنة مباشرة”.
وبيَّن الرفاعي، أن بعض الصيادين تعرضوا لأكثر من اعتقال، أحدهم اعتقل سبع مرات وتمت مصادرة قواربه السبعة.
وحول هذه التعسفات تم إطلاق الكثير من المناشدات للجهات المعنية أكثر من مرة لوضع حلول لهذه الانتهاكات، لكن للأسف ليس هناك تجاوب، بينما الإريتريون يأخذون غالبية مقاضيهم واحتياجاتهم من الغذاء من اليمن ويدخل بقاربه دون أي اعتراض، واليمنيون يتعرضون من قبلهم لأسوأ المعاملات والتنكيلات.
لقد بات الصياد مهدداً بالمخاطر نتيجة هذه التعسفات المتكررة، حيث يعاني حياة قاسية وشظف عيش مرير، ومخاطر جَمَّةً في البحر أعتاها التعسفات الإريترية والانتهاكات التي تمارس بحقه.
وبين الحين والآخر وبلا أي مبرر، تُقدِم البحرية الإريترية على احتجاز الصيادين وبصورة تعسفية جائرة منتهكةً كل القوانين وتجتاز الحدود البحرية دون أن تراعي حق الجوار، مستغلة وضع الحرب في البلاد التي أشعلها الحوثيون على اليمن واليمنيين منذ عام 2014م