أثارت أغنية “مش غلط” ضجة كبيرة على السوشيال ميديا بين مؤيد للكلمات والعبارات التي تضمنتها الأغنية ومعارض لها وكلاً له حجته في التأييد والمعارضة، وباعتقادي بأن إثارة مثل هكذا مواضيع لا تخدم القضية اليمنية يُعد مضيعة للوقت وتسفيه لعقل المواطن اليمني الذي ينتظر سماع أخبار وحملات تتحدث عن القضايا التي تهم الشارع اليمني وتناقش همومه وأوجاعه
هُناك من يحاول أن يجعل من مدينة تعز مُصدرة للفكر المُتطرف الذي يدعوا لتغييب العقل وتكفير مثل هكذا سلوك الذي يُعد ليس دخيل على مجتمعنا اليمني المحافظ بل على الفن والطرب اليمني الذي لطالما تغنى به الشرق والغرب وغناه فنانين كُثر على امتداد منطقتنا العربية والعالم، وهُناك من يُحاول أن يُصدر تعز على أنها مدينة لا تأبه بالمجتمع المحافظ ولا بالعادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية التي تربى عليها الأجيال من خلال طرح مثل هذا الفن الهابط بكلمات ركيكة ومصطلحات فارغة لا ترقى لأن تكون ذو قيمة مجتمعية وذائقه فنية قابلة للطرح، وكلا الطرفين يقفان على النقيض الآخر الذي لا يمثل تعز ولا يشرفها
في حقيقة الأمر لم تعد تعز بحاجة لمثل هكذا عبئ يزيد من معاناتها التي تتصدر من حين لآخر، نحن اليوم بحاجة لحملات تنافسية تتحدث عن حصار المدينة من قبل ميليشيا الحوثي، وعن فساد الحكومة ومعين عبدالملك، وعن فشل الرئاسي في التصدي لهذا الفساد الذي أصاب البلاد والعباد وأفقر الناس وجوعهم وحولهم لطابور على أبواب المنظمات التي أغلقت ابوابها في وجه المحتاجين من عامة الناس
من غير المعقول أن تتحول كلمات أغنية الى ترند وأن تتصدر القائمة الأعلى تداولاً في اليمن، وأن تُثير حفيظة اليمنيين فيما هنالك قضايا كبيرة تستحق الوقوف عندها وجعلها في أعلى قائمة الترند اليمني
هناك خلل لدى عقول هؤلاء الشباب الذين أثارتهم كلمات هذه الأغنية ولم يثرهم هذا الكم الهائل من الفساد المتفشي وسياسة التجويع وإهانة كرامة الإنسان اليمني، صحيح بأن كلمات الأغنية غير لائقة ولا أتفق أنا والكثيرين معها، ولكنها لا تستحق كل هذا التذمر الذي كان سبباً في انتشارها وزيادة مشاهداتها
أصبحت بلادنا غير صالحة للاستهلاك الآدمي، لأنها عديمة الرجال والوعي ومُصدرة للعشوائية وللأعمال الهابطة التي تُسيئ لتاريخ الفن اليمني ولشريحة كبيرة من الفنانين الكبار، أصبح الناس يهتمون بسفاسف الأمور وبالقضايا الهامشية التي تحرف بوصلة المواطن اليمني عن قضيته الرئيسية وهي استعادة الدولة من بين فكي ميليشيا الحوثي وأدوات التحالف العربي الذين لا يختلفون كثيراً عن أدوات إيران ومشروعها الطائفي الذي يهدف لملشنة الدولة وتقسيم وتجزءة اليمن، وتحويلها لكنتونات ومناطق ومدن لا تخضع للسيادة اليمنية
” مش غلط ” أن تُحارب السلوك الدخيل على مجتمعنا، ولكن الغلط في أن تصمت على أكل حقوقك وانتهاك سيادة وطنك، وامتهان كرامتك ولقمة عيشك، ومصادرة راتبك وحريتك، وتذهب لتحارب صعلوك دخيل على الفن لا يستحق منا أن نوليه كل هذا الجهد والاهتمام
إن إثارة مثل هذه القضايا بلا شك تخدم العدو المتربص بنا وبالوطن ولا تورق سوى ذلك المُنهك الذي غلب عليه القهر، وأفسدت الحرب عليه الحياة، فأصبح شريد بين شعب بلا وعي ورئيس حكومة بلا ضمير، ورئيس مجلس رئاسي بلا شرف أو إنسانية
في الختام..
“مش غلط” أن نصحوا من غفلتنا ونركز على واقعنا وما يُحاك ضد يمننا من مؤامرات ودسائس، ونرفض كل هذا العُهر الأخلاقي والسياسي الذي أغرقنا، وحولنا لأحجار دومينو نتساقط من حولنا دون أن نشعر