منبر حر لكل اليمنيين

الفشل من الأقاليم إلى الحكم المحلي باليمن

26

في عام 1956 وجه من القاهرة الراحلان أحمد محمد نعمان ومحمد محمود الزبيري خطاباً إلى الشعب اليمني بعنوان “مطالب الشعب” ضمناه المطالبة بتشكيل حكومة مؤقتة تلتزم المحافظة على استقلال البلاد وحريتها ووحدتها، وتطهيرها من الظلم والرشوة والاختلاس والفساد، وتنظيم الجيش وتحسين أحواله، وإلغاء الإجراءات التعسفية كافة التي تنهب أموال الناس تحت مسميات مختلفة، وإعلان تحريم قطع الرؤوس وزج الناس في السجون إلا بحكم قضائي، وإطلاق سراح المسجونين السياسيين والرهائن.

كما طالبا الحكومة المؤقتة بتقديم مشروعات قوانين إلى الجمعية التأسيسية المناط بها وضع دستور للبلاد وممارسة دور السلطة التشريعية كبرلمان مؤقت، وبعد إقرار الدستور تجرى انتخابات برلمانية على أن تعرض القوانين والقرارات الصادرة منها على البرلمان ليقرها أو يلغيها أو يعدلها حسب الضرورة.

ووضع الزعيمان النعمان والزبيري فصلاً تحت عنوان “الميثاق وطني” وشمل نصوصاً متقدمة حول شكل النظام السياسي وحقوق المواطنين الأساسية في حماية حرياتهم وصون كرامتهم.

ثم طرحا تصورهما لنظام الحكم اللامركزي وشرحا مزاياه وأسسه وتراتبية السلطان داخل كل لواء (محافظة).

وشرحا كيفية التحصيل المالي والاستقلال الإداري، وأن تكون الضرائب كافة بتشريعات معروفة وهي غير الضرائب المركزية.

لم يتمكن الزعيمان الوطنيان من إقناع الإمام أحمد بفكرتهما التي اشترطت أن “الملك يملك ولا يحكم” على رغم أن والده الإمام يحيى أعلن أثناء مقاومة الأتراك بأن يحكم أهل كل منطقة أنفسهم بأنفسهم، لكنه بعد تثبيت ملكه “هدم ما كان قد بدأ الأتراك في تثبيته من أسس اللامركزية في البلاد”، ولكن القضية ظلت حية في أذهانهما ولم تغب عن بالهما، وبقيت أمراً يلحان عليه بعد الثورة باعتبار أن اللامركزية تمنع تجمع السلطة في يد واحدة لأن “الأسس الحديثة في تنظيم الدولة يستلزم توزيع الاختصاصات بين الحكومة المركزية والهيئات المحلية”.

لم تمت فكرة اللامركزية الإدارية والمالية في شمال اليمن (الجمهورية العربية اليمنية سابقاً)، لكن تطبيقها لم يتم لأن صنعاء (وأقصد الحكومة المركزية) لم تكن جادة ولا راغبة في نقل صلاحياتها الإدارية والمالية إلى المحافظات على رغم الإعلان المتكرر عن نيتها بفعل ذلك.

وفي الواقع جرى انتخاب مجالس محلية حتى مستوى المحافظ، لكن صنعاء السياسية ظلت متحكمة في الاختيارات وأصرت على أن تكون لها الكلمة الفصل عند إصدار قرارات تعيين رؤساء المجالس المحلية الذين بطبيعة الحال صار ولاؤهم لمن أصدر قرار تعيينهم أكثر من ارتباطهم بالناخبين، بل إنهم همشوا المجالس المحلية وانتقلت المركزية من العاصمة السياسية إلى عاصمة المحافظة.

ثم بلغ الحديث عن اللامركزية أقصى مراحله عند التوقيع على “وثيقة العهد والاتفاق” في 18 يناير (كانون الثاني) 1994.

وعوضاً عن التخفيف من حدة الخلافات والاحتقان الذي عطل الحياة السياسية في البلاد، وكانت تمهيداً للانفجار الكبير في 27 أبريل (نيسان) 1994 الذي انتهى في السابع من يوليو (تموز) من العام ذاته، بهروب قيادات الحزب الاشتراكي السياسية والعسكرية، وكان ذلك إيذاناً بتصاعد دعوات الانفصال التي بلغت أوجها في 2007.

وفي 10 فبراير (شباط) 2014 وقع عدد من الأحزاب والكيانات السياسية التي شاركت في مؤتمر الحوار الوطني علي وثيقة تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم، واعترض عليها ممثلو جماعة أنصار الله الحوثية، وتحفظ ممثل الحزب الاشتراكي رغم توقيعه.

والواقع أن المواطنين لم يطلعوا على دراسة علمية لتحديد الخطوط الجغرافية التي تفصل بين كل إقليم ولا الماهية الاقتصادية والديموغرافية التي حددت تلك الخطوط ولا مبرر الاستعجال في فرض أمر غاية في الحساسية أثر في كل الأحداث التي عصفت باليمن من تلك اللحظة التي كانت بمثابة نزوة تاريخية عابرة.

بمراجعة النص، الذي صدر عن اللجنة المكلفة بدراسة تقسيم البلاد إلى أقاليم فقد ذكر “توافق معظم” أعضاء اللجنة على اعتماد خيار الستة أقاليم على أن يجري تقسيم الجنوب إلى إقليمين وأربعة أقاليم في الشمال، وهي صياغة فيها إشارة إلى اعتراض بعض المكونات التي رفضت الفكرة صراحة، وبعضها تحفظ على فكرة التقسيم والاكتفاء بالحكم المحلي كامل الصلاحيات أو واسع الصلاحيات.

بعد مرور ثمان سنوات على اندلاع الحرب الضروس توارى المشروع الطموح الذي يتحدث عن قيام دولة اتحادية أو حكم محلي بكافة تفريعاته وانشغلت أطراف الحرب في المعارك إلى أن أعلن فجأة تكليف شركة ألمانية يمثلها وزير سابق القيام بدراسة تطبيق الحكم المحلي في محافظات حضرموت وتعز وعدن، بعد أن أعلن رئيس مجلس القيادة الرئاسي نيته منح حضرموت حكماً محلياً كامل الصلاحيات على سبيل التجربة، ثم تطبيقها في حال نجاحها في محافظات أخرى.

لا شك أن المركزية المفرطة تعطل وتعرقل كثيراً من الأعمال والنشاطات المحلية، وتزيد من نقمة الناس على المركز وإحباطهم منه لأنهم يحملونه مسؤولية كل فشل أمني وإداري وكل فساد مالي، لكن الطريقة التي يجري فيها الحديث الآن عن تطبيق اللامركزية تظهر خفة سياسية واستخفافاً بما يمكن أن يترتب من مخاطر فشلها بسبب تلاشي المركز القوي القادر على ضبط إيقاع الحركة.

فعلى رغم أنه في ظل الظروف الطبيعية وبوجود مركز متماسك وواع بمتطلبات الحكم وقادر على إدارة المشهد تكون أمراً جيداً، لكن الواقع الحالي يثير كثيراً من التساؤلات والشكوك بأنه يأتي فقط في إطار المزايدات.

كما أن الحديث عنه في هذا الوقت بالذات يعيد إلى السطح الحديث عن مهام المجلس(الرئاسي) وأدائه الركيك منذ يوم تشكيله وعجزه الفاضح عن تقديم أي فعل إيجابي للناس.

* نقلا عن “إندبندنت عربية

تعليقات