منبر حر لكل اليمنيين

ذكرى رحيل البردوني

17

منذ العام 1999م يأتي شهر أغسطس من كل عام على اليمن وهو يحمل في نهايته ذكرى رحيل أبرز أدباء اليمن في العصر الحديث، إنه شاعرها الكبير عبد الله البردوني.. الرجل الذي نقل مستوى القصيدة إلى الأعلى.. وأسس خطه الجديد الذي اصبح خطاً للكثير من الشعراء بعده.. لم يكن البردوني شاعرا فقط، فقد كان ناقدا خبيرا و مؤرخا ومفكرا وقبلها عمل في التعليم والإعلام، وهو واحد من أهم النماذج على مقاومة الإعاقة.. ربما على مستوى العالم.. حيث لم يمنعه كونه كفيفا من أن يكون بارزا ومؤثرا في كل تلك المجالات، وأن يكون الأكثر بروزا وتأثيرا في الشعر.

قاوم البردوني الإعاقة البصرية ليحصل على لقب (الرائي) ثم قاوم الأفكار السائدة، وقام بدور تنويري مميز فأصبح (الأستاذ) وكتب القصيدة ليقاوم تقليدية الشعر فظهرت مقولة: (الشعر ثلاثة أنواع: قديم وحديث وبردوني).

كان (القارئ بأذنه) موسوعة معرفية وقلما جبارا تناول الكثير من قضايا الثقافة اليمنية و الأدب الشعبي، وقام بتدوين الكثير من تفاصيل الحياة اليمنية.

مثل ما تقوم المذاهب من توظيف النصوص الدينية لخدمتها حيث يقوم كل مذهب بتحميل النص وجها يؤيد المذهب لأن النصوص حمالة أوجه؛ فان فرقاء السياسة في اليمن يتغنون بنصوص البردوني ويحمل كل طرف لكل نص وجها وتأويلا يسانده، ومثلما كانت نصوص الدين بريئة مما حدث لها فإن نصوص البردوني إنما كُتبت لتدين مختلف التيارات التي حاولت في زمنه أن تحلب الجماهير ك بقره ثم تقوم بذبحها، وهذه التيارات بامتداداتها الراهنة هي من تتغنى بتلك النصوص بدعوى أن البردوني كان يمدحها ويدين أعداءها وخصومها، ونصوصه بريئة فهي ضد التأويل الضيق ولكنها بلغت من التأثير ما جعلهم يحاولون تأويلها باتجاه خدمة أفكارهم وتوجهاتهم.
وكان البردوني أيضاً حالة خاصة في انطلاقه من ثقافة خاصة فهو في الأساس ابن الثقافة اليمنية قبل أن يُصبح مثقفا إنسانيا (اصيلا بجدارة ومعاصرا بتمكن).

حاليا تتناسل الجوائز وتفرخ كل يوم في العالم العربي دون أن توجد جائزة تحمل اسم البردوني، كما تقام مهرجانات تحمل أسماء أدباء دون وجود مهرجان يحمل اسم البردوني، باستثناء محاولة لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين قبل أكثر من عشر سنوات، لكنها لم تتكرر بسبب توقف الاتحاد المذكور، والذي ترأسه البردوني بالمناسبة لفتره من الفترات، وها هو يموت في ظل غياب البردوني أو قامة تشبه قامة البردوني، يموت وقد تولى قيادته من لا يشبهون البردوني،
كما تُنشأ مراكز الدراسات والبحوث وتُسمى الشوارع والمؤسسات التعليمية والثقافية بأسماء رموز، وليس للبردوني نصيب.

*من مقال منشور سابقا على صفحة الكاتب في فيس بوك.

*شاعر وكاتب.

تعليقات