منبر حر لكل اليمنيين

في ذكرى تأسيس حزب المؤتمر .. معالجات لابد منها

36

تم تأسيس الحزب في ٢٤ أغسطس ١٩٨٢م ، حينما قام علي عبدالله صالح باستقطاب أحزاب اليسار واليمين والطيف الاجتماعي ومثل المؤتمر الكتلة الوسطية وبقي تحت سيطرة صالح ، وهيمن الحزب على المشهد السياسي اليمني منذ ذلك الحين ، وعبر تاريخه كانت قياداته مستقطبة من أحزاب أخرى.. منذ تأسيسه هيمن حزب المؤتمر دائما على المؤسسات التمثيلية في اليمن ، وفاز بأغلبية تتراوح بين ٧٥ في المائة و ٩٠ بالمائة في كل الانتخابات البرلمانية منذ عام ١٩٩٣، وحتى العام ٢٠٠٣ ، في ظل علي عبدالله صالح ترسخ الحزب في مؤسسات الدولة واستمر بشدة في الحفاظ على الوضع السياسي الراهن ، وفي ٢٠١١ ومع انتفاضة فبراير ، ادعى الحزب أن عدد أعضائه بلغ ستة ملايين شخص..

خلال العقود الثلاثة الماضية رعى الحزب إصلاحات اقتصادية كبيرة ، وإصلاحات سياسية محدودة لم تحدث برامج تحديث داخل الحزب ولم يتم إعادة هيكلة الحزب نفسه ولا الهيئات القيادية.. خلال انتفاضة فبراير أعلنت قيادات استقالتها من الحزب والانضمام إلى ما سمي بثورة الشباب ، وتم تغيير على مستوى الأمانة العامة ونواب الرئيس ، حيث تم استبدال عارف الزوكا كأمين عام بدلا عن هادي.

قبل ذلك كان المؤتمر قد أكد التزامه بالإصلاحات التي يطالب بها المتظاهرون وتم توظيف ستين ألف موظف ، وصرح صالح بعدم ترشحه هو أو أي من أقاربه ، وقبل ذلك كان قد نزل عند رغبة أحزاب اللقاء المشترك وأجل الانتخابات عامين كاملين ، في سابقة لم يشهدها أي بلد من قبل ، حيث تطالب المعارضة بتأجيل الانتخابات وليس الحزب الحاكم.

الحزب الحاكم في السلطة : حضوره في مؤسسات الحكم على مدار حكم صالح ، عمل المؤتمر كأداة للسلطة التنفيذية ، وآلية لتوزيع المحسوبية ، بالإضافة إلى سيطرته على المؤسسات التشريعية الأساسية.. الإصلاحات الاقتصادية : في محاولة لتعزيز التنمية الاقتصادية ، شجع الحزب موجات عدة من الإصلاحات منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي ، تهدف إلى جذب الاستثمار وتحفيز القطاع الخاص واحتل رجال الأعمال الذين حققوا ثروات من خلال مناصب في الحزب.

الإصلاحات السياسية : كانت الإصلاحات السياسية محدودة ، فقد رعى الحزب إصلاحات سياسية محدودة ، شملت الانتخابات المباشرة للرئيس وانتخاب المحافظين وفرض المرأة داخل الحزب وفي الحكومة ، لكن الحزب قاوم تنفيذ أي تغييرات قد تقلب موازين القوى لصالح مؤسسات الدولة ، ظل الحرس القديم مسيطر على القيادة ولم يفسح الطريق للأجيال التالية.

المراحل الخمس التي مر بها حزب المؤتمر : المرحلة الأولى منذ التأسيس وحتى ٢٢ مايو ٩٠، في هذه الفترة انضوت جميع القوى السياسية تحت مظلة المؤتمر وصاغت الميثاق الوطني الذي استلهم ميراث الأحزاب والقوى السياسية الأخرى ، وحرص على لملمتها تحت مظلته على الرغم من أن بعضها كان شطريا ، كالحزب الاشتراكي ، الذي كان نصفه في الجنوب ونصفه الآخر في الشمال ، والبعض الآخر كان منقسما على نفسه كالبعث العراقي والبعث السوري وفصائل الناصريين المنقسمة على ذاتها ولم يكن هناك سوى الإخوان المسلمين الذين يشكلون كتلة موحدة ، واستطاع المؤتمر أن يجعل هذه القوى متناغمة إلى حد ما.

المرحلة الثانية ، من ٢٢ مايو ٩٠ وحتى ٩٣، ففي هذه المرحلة أعلنت التعددية السياسية وعادت جميع الأحزاب إلى قواعدها ، وانفجر الحزب من داخله ، إلا أنه بقي متماسكا ، لكن هذه المرحلة اتسمت باتساع دائرة الفساد المالي والإداري ، من خلال الوظيفة العامة بسبب الشراكة بين المؤتمر والحزب الاشتراكي ، حيث تمت تسوية أوضاع الحزبين وأنصارهما بدرجات وظيفية مدنية وعسكرية لعدد ممن لا يستحقونها وتحولت ميزانية الدولة إلى ميزانية مرتبات.

المرحلة الثالثة ، من ٩٣ وحتى ٩٧، في هذه المرحلة أضيف حزب الإصلاح إلى الشراكة بعد الانتخابات البرلمانية وتمت تسويات جديدة لمدنيين وعسكريين لا يستحقونها ، مما أضاف أعباء على ميزانية الدولة ، وظلت الدعوة إلى البناء المؤسسي للدولة ومحاربة الفساد المالي والإداري مجرد شعار لم يترجم على أرض الواقع ، ونتيجة لما أفرزته الانتخابات البرلمانية ، بدأ الحزب الاشتراكي يتبرم من الديمقراطية والاستقواء بالأكثرية العددية ، وطالب بمعاملة أكبر من حجمه ، واحتل المركز الثاني في السلطة لاعتبارات غير ديمقراطية ، فانتهت الأزمة السياسية بالحرب ، وبدلا من أن يسعى المؤتمر إلى ترسيخ دولة المؤسسات ، ذهب إلى التقاسم مجددا مع حزب الإصلاح الذي ستنتهي الشراكة معه في ٩٧.

المرحلة الرابعة من ٩٧ وحتى ٢٠١١، ففي هذه المرحلة تم إنهاء الشراكة مع حزب الإصلاح وقاد المؤتمر المرحلة بمفرده ، وقاد الإصلاح صراعا ضد الرئيس صالح وخاصة بعد الانتخابات الرئاسية في ٢٠٠٦، التي شجعت حميد الأحمر على قيادة الصراع مع صالح والسعي إلى إسقاطه بكل السبل ، حتى توج ذلك بالحصول على موافقة من حزب المؤتمر بتأجيل الانتخابات البرلمانية من ٩٩ وحتى ٢٠١١، التي سينفجر فيها الوضع ، وستغادر قيادات كثيرة المؤتمر وتعلن انظمامها للانتفاضة الشعبية التي راكمها اللقاء المشترك بقيادة حزب الإصلاح.

المرحلة الخامسة من ٢٠١١ وحتى ٢٠١٧، في هذه المرحلة تم تصعيد بعض القيادات إلى اللجنة العامة والأمانة العامة وتعيين نواب للرئيس ، لكنه لم يتم إعادة هيكلة الحزب ولا الهيئات القيادية ، وظلت القيادات الجديدة غير فاعلة بسبب هيمنة الحرس القديم على القرار ، إضافة إلى أن أغلب أعضاء اللجنة العامة لم يكونوا على دراية بقواعد العمل الحزبي ، فكانت عضوية اللجنة العامة مجرد مكانة اجتماعية ولم يكونوا يشاركوا في النقاشات الدائرة ، بل كانوا يفوضون صالح في اتخاذ القرارات نيابة عنهم ، بسبب عدم قدرتهم على التفكير والمشاركة في إيجاد حلول للوضع القائم ، هذه المرحلة ستقود إلى تحالف المؤتمر مع الحوثيين ، في خطوة تعد من أخطر الخطوات التي أقدم عليها المؤتمر في تاريخه ، حيث سيتحالف مع قوى كهنوتية إمامية تعمل ضد الجمهورية والوحدة ، وهما رصيد المؤتمر الحقيقي في مسيرته الوطنية ، لكنه سيكفر عن ذلك بشكل جزئي في انتفاضة صالح في الثاني من ديسمبر ٢٠١٧.

مما سبق نخلص إلى أن الحزب أصاب في كثير من الأحيان وأخطأ في قليل منها ، لكنها كانت أخطاء فادحة ، فبعد حرب صيف ٩٤، وانتصار الوحدة كان يمكن إعادة بناء وصياغة الحزب بعيدا عن تحالفات ما قبل عصر الديمقراطية والدولة المدنية وبعيدا أيضا عن موروث الشمولية وصراعاتها الدامية وبدلا من أن يتلمس الحزب الطريق المعبد بالديمقراطية ، راح يفخخه بالتخوين والتجريم وراح يضيق الهامش الديمقراطي والتطور السلمي ، فخنق لغة الحوار والتسامح والتصالح وخلق محلها مفردات الخونة ، الانفصاليين ، العملاء ، المتآمرين.

بعد ٢٠١١، اختزلت المشكلة وكأنها صراع بين المؤتمر والإصلاح واعتقدت قيادات في المؤتمر بأن الحل لن يأتي إلا عبر العودة إلى ماقبل ٢٠١١، وهي عودة مستحيلة بما تعني الكلمة من معنى ، شاركهم الإصلاحيون في تعبئة قواعدهم على أن عودة المؤتمر إلى الحكم يعني سقوط ثورة فبراير ، مما أسقط المصلحة الوطنية العامة وحضرت المصالح الشخصية وإصرار قيادات الحزبين على العودة إلى الماضي والمكابرة بالتمسك بالأخطاء التي جنى الحزبان منها أوخم العواقب.. وبما أن الإنجاز التاريخي لحزب المؤتمر لا يتجلى في شيء مثلما ، يتجلى في تحقيق الديمقراطية والوحدة والدفاع عن الجمهورية ، أراد له البعض أن يرهن نفسه للإمامة أو للقوى الخارجية ، وحرص هؤلاء البعض بأشد الحرص بما يسيء إليه.

ومن هذا المنطلق ، لابد أن يبذل الحزب جهدا في تجلية صورته التي رسمت في أذهان الناس وساهم فيها خصومه في تشكيلها وعليه أن يحقق وصايا رئيسه التي سطرها في الثاني من ديسمبر ودفع روحه ثمنا لها ، وعليه أن يتوقف أمام ثلاث قضايا أساسية يمكنها أن تحدد مستقبله : الأولى ، هي مدى ترسخ النهج الديمقراطي داخل الحزب بعيدا عن قضية التوريث التي يحاول البعض الاتكاء عليها لضرب مقومات الحزب التي قام عليها ، فحزب المؤتمر ضرورة وطنية قبل أن يكون ضرورة حزبية.. الثانية ، العمل المؤسسي ، وهذا يقتضي في الوقت الراهن تشكيل قيادة جماعية تقوده حتى المؤتمر العام الثامن والعمل على تحويل الحزب إلى مؤسسة.

الثالثة ، السعي إلى مصالحة تاريخية مع جميع القوى السياسية ، تلغي العنف وتلغي هيمنة فئة معينة على أخرى وتفعيل الدستور والقانون ودولة المؤسسات والإقرار بالمواطنة المتساوية ، فإذا استطاع الحزب أن يحقق هذه القضايا ، فسيكون مستقبله عظيم.

تعليقات