منبر حر لكل اليمنيين

الذكرى الـ 41 وذاكرة اليمنيين

359

في مثل هذا اليوم المُبارك الموافق 24 أغسطس من العام 1982م، ولد حزب المؤتمر الشعبي العام، كأول رافعة سياسية، وأساس للعمل الحزبي في اليمن بعد ثورة السادس والعشرون من سبتمبر، وهي الفترة التي شهدت تحولات وصراعات محورية عديدة وكثيرة

إن المؤتمر الشعبي العام وفي يوم ذكراة الواحد والأربعون، يتذكره اليمنيين كميزان الحكم وشوكة تقدير المهام لإدراة الدولة، والظل الذي يرافق عمل الحكومة، كمرجعية الوطن السياسية في السلم وقوته الدفاعية في الحرب والأزمات، عمود الدولة الذي استقامت عليه، وراية الحرية والتعددية السياسية والعدالة الإجتماعية، مَثل المؤتمر الشعبي العام بوابة اليمن لتعريف العالم والإقليم بشكل النظام السياسي للبلد عبر الجهود المبذولة التي قادها الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح وقيادات الحزب المخلصين من أبناء الوطن، ولذا فلقد تحقق لليمن الكثير من الإنجازات الكبيرة على كل المستويات خلال فترة حكم الرئيس صالح وحزب المؤتمر الشعبي العام وأحزاب التحالف الوطني خلال ثلاثة عقود كان أبرزها تحقيق الوحدة اليمنية المُباركة، وترسيم الحدود مع دول الجوار

إن الذكرى الـ 41 لولادة حزب المؤتمر الشعبي العام جاءت لتؤكد على تعزيز مفهوم الدولة وتطبيق ثوابت الجمهورية التي نشأ وترعرع في كنفها اليمنيين في ظل دستور الدولة والنظام والقانون، فكانت جميع قراراته لا تقوم إلا في أطرها النظامية والقانونية وفقاً لسياسات ولوائح الهيكل التنظيمي المتعلق بالحزب التي من خلالها مكنته من إدارة مؤسسات الدولة وبناء علاقات التعاون بين الجمهورية اليمنية ودول العالم، ولذا كان علي عبدالله صالح ولآخر أيامه الأخيرة يُذكر اليمنيين بقيمة حزب المؤتمر الشعبي العام وبالمنجزات التي حققها الحزب، وقالها يوماً مخاطباً الجماهير الغفيرة، المؤتمر الشعبي العام هو إرثي وإرث الجمهورية وعليكم التمسك به

وهُنا دعوني أتحدث عن السنيين والأيام التي عشناها مع حزب المؤتمر الشعبي العام، وليس عن المؤتمر كحزب، فالحديث عن حزب المؤتمر كثير وقد تحدث عنه الكثيرين ولكنني أود هُنا أن أُسلط الضوء عن حياة كان للمؤتمر الشعبي العام ولزعيمة الشهيد علي عبدالله صالح فضلاً كبيراً علينا

عام ٢٠١٧م، تحديداً في صنعاء ” ميدان السبعين” كنت بجوار بعض القيادات المؤتمرية وناشطين وصحفيين نتحدث عن المفاهيم والأُسس والقيم والأخلاق التي أنبثق منها حزب المؤتمر الشعبي العام، وتحدثنا أيضاً عن محاولة إستهداف الحزب وعن الخيانة التي تعرض لها الحزب ومازال، وقلت حينها بأن كل خيانة لا يكتشفها الطرف المعني لا تعد خيانة، وبأن هذا الجمع الغفير الذي حج من كل محافظات ومناطق وقرى اليمن سيمثل الحصن المنيع لهذا الحزب، ثم توقفتُ كثيراً عند هذه العبارة، وشعرتُ لحظتها بأني أقتربت من فهم الترابط الإجتماعي بين الحزب وقواعدة الجماهيرية، إلا أنها ظلت متلبسة في ذهني، فكل مرة أمنحها تأويلاً جديداً ينسف ماقبله، ثم اقف حائراً أمام فكرة تَمثل الآخر أمام مرآة التضحية، التي تعكس قيمة هذه الجماهير الغفيرة التي لبت نداء زعيمهم حاملين أوراحهم على الأكف غير آبهين بما قد يحدث لهم

عشت سنيين طويلة في مدينتي تعز، لكني لا أتذكر مرة توجهت فيها إلى أي إحتفال غير إحتفالات ومهرجانات حزب المؤتمر الشعبي العام، لم أزر صنعاء حينها ولكني عانقتها وأنا أتابع فعاليات حزب المؤتمر وخطابات صالح على القناة الأولى قناة اليمن، ولم أحضر أي تجمع لأعياد غير الأعياد الوطنية التي كان يرعاها صالح وحزب المؤتمر، لم أُشاهد عالم غير عالم صالح والمؤتمر، لقد تشبعنا باليمن من بوابة صالح وحزب المؤتمر، والشئ الوحيد الذي كنت أزوره بانتظام في مدينة تعز هو فرع المؤتمر الشعبي العام الذي كان بمثابة المدرسة الوطنية لي ولإخوتي ولعامة الناس، في تلك الأيام كُنت أختبر حياة مكتوبة، محايثة للحياة النابضة التي كانت تخفق من حولي، أفقدتني القراءة الهستيرية لسعة الإحساس بالأشياء الجميلة التي كانت كلها تُصفق لصالح والمؤتمر، فقد كُنت أُفضل حضور فعالية لحزب المؤتمر على أن أنحشر لمدة ثلاث ساعات بين الناس لمشاهدة ماتش كروي مثل حبة سمسم تالفة، كُنت أتأنق من أجل تلبية دعوة لحضور مهرجان شعبي كبير يجتض فيه الناس للاحتفال بذكرى تأسيس حزب المؤتمر، وأرفض الذهاب لخيمة مكيفة فيها جمع غفير يحتفلون ويرقصون لفرح أحد الأصدقاء وأعتذر منهم لإنشغالي بعرس جماهيري عريض تحتفي به اليمن، كل هذا ذاكرة يجب أن يتذكره اليمنيين لتعلم الأجيال كيف كنا بصالح والمؤتمر وكيف كان صالح والمؤتمر فينا

لولا حزب المؤتمر الشعبي العام لما قوضت قيمة الإخفاق بالإصرار والعناد على مواجهة التحديات، ولما أصابنا حمى المعرفة والكتابة لتوضيح بعض الحقائق التي رافقت أزمة ٢٠١١م وما تلاها من أحداث ألمت بالوطن وبنا جميعاً، لقد جعلنا هذا الحزب العملاق بانكساراتنا الهائلة غير قابلين للكسر، وعلمنا أن الإرادة والانهماك في الدفاع عن الوطن وحده هو الذي يحمينا من شرور العالم، ويسكب الحديد الصلب في القلوب الرخوة، عادة ما يتناسى الإنسان اللحظة التي سقط فيها وطنه على الأرض مكسوراً، يلتمس بالدعاء يداً خفية تلتقطه من الضياع، ولا يدرك أنه وفي حقيقة الأمر سيتطلب هذا الانكسار بعد سنوات من نكوصه البذل والعطاء لإعادة وطنه لمكانه الصحيح، لقد خُدع المغفلين بشعارات الإخوان وشعارات الجارودي الحوثي ومن ثم شعارات التحالف العربي الذي ألبس اليمن الكفن ومازال يُمثل بجثمانه ويتلذذ بمصافحة قتلته وجلادوه، إن المنتصر يدري بأثر رجعي أنه إبن الهزائم القديمة، وكلما كان هذا النظام السياسي القاتل أصغر عمراً كلما كان غضاً يُثير شهوة الأيام على استلابه، ثم أقول جربوا فينا الحرب لنتعلم، لأن التجارب المؤلمة وحدها من ستجعلنا نحتضن أنفسنا بعد سنوات من الآن ونصرخ بأعلى صوتنا : لقد فعلناها، لقد انتصرنا واستعدنا مجدنا بإرث صالح وحزب المؤتمر.

تعليقات