أَنا مِنكَ يا عُمري الذي طال مُحرَجُ
فما زِلتُ لا أَدرِي متى سوف تُفـرَجُ
وما زلتُ مُحتاجًا إِلى ضَربِ مَندَلٍ
لكي أَسأَلَ المِرِّيخَ: مِن أَين يُعـرَجُ
وكي أْقنِعَ القَلبَ الذي ضاق صَدرُهُ
بأَنَّ اعتِيــادَ الصَّبرِ يَأسٌ مُمَنــهَجُ
وأَنَّ احتِمالَ العَيشِ والمَوتُ مُمكِنٌ
دَليلٌ على أَنَّ المُعانِينَ سُـذَّجُ
فلو كان للناسِ اعتِراضٌ على الذي
يَخافُونَهُ، لم يَختَرِ الشّوكَ عَوسَجُ
دَخَلْنا إِلى الدُّنيا وما مِن حَقيقةٍ
سِوى أَنّنا منها جَمِيعًا سنَخرُجُ
***
على كُلِّ حالٍ.. لستُ إِلَّا مُسافِرًا
بمِقدارِ ما أَطهُو مِن الجُوعِ أُنضَجُ
طَريقٌ تُرابـيٌّ عن الأََرضِ مالَ بي
فلم أَدرِ، هل سَيرِي أَو الدَّربُ أَعوَجُ
وما زلتُ مُرتابًا إلى أَين وِجهَتي
وما زال بي شَوقٌ إِلى السَّيرِ أَهوَجُ
على كُلِّ حالٍ.. أَنهَكَتني ملامحي
وخَوفي بآلافِ الضحايا مُدَجَّجُ
ولِلناسِ مِن حَولي على الزَّيفِ جُرأةٌ
وما لِي سِوى وَجهِي قِناعٌ وبُهرُجُ
ولا لِي مع الوُرَّادِ في السُّوقِ صَفقةٌ
ولا اسمِي على كَشفِ المُرابِينَ مُدرَجُ
ولكنني ما زلتُ بالحُزنِ عامِرًا
كأني على الدّنيا أَميرٌ مُتوَّجُ
إذا باعَ مُحتاجٌ إِلى الناسِ نَفسَهُ
فإني إِلى نَفسِي مِن الناسِ أَحوَجُ
وما لي وما لِلناسِ؟! كُلٌّ بِطَبعِهِ
وكُلٌّ له في العَيشِ والموتِ مَنهَجُ
أَنا ابنٌ لِهذي الأَرضِ، مهما تَنكّرَت
لِأَبنائِها.. أَو طال منها التّغـنُّجُ
لهذي الجِبالِ السُّمرِ مَنثُورَةِ القُرى
أُغنِّي.. إِذا غَنَّى لِحِزبٍ مُؤَدلَجُ
لهذي الحُقولِ الخُضرِ، والغَيمُ سابحٌ
عليها، وعَينُ الشّمسِ جَمرٌ مُثلَّجُ
لِـرَاعٍ يُهشُّ اللّيلَ عن سَقفِ بَيتِهِ
وفي كفّه لِلفَجرِ بُـنٌّ مُحَوَّجُ
لِفلَّاحةٍ يَنسابُ مِن (مَيْعَناتِها)
نَسِيمٌ سَماويٌّ، ويَنمُو بَنَفسَجُ
ولِلبَحرِ.. مَوَّاجَ (الهَيَاهِيلِ) راقصًا
وفي كُلِّ شِبرٍ منه قَلبٌ مُموَّجُ
لمَحبوبةٍ.. ما كان أَعلَى جَبينَها
إذا (كِندةُ) اعتَمَّت نُجُومًا و(مَذحَجُ)
لِعَينَينِ لولا الحُسنُ والحُزنُ فيهما
لما رَقَّ رغمَ البأسِ (أَوْسٌ وخَزرجُ)
لِرَيّــانةٍ تَهتزُّ في حُلمِ ظامِئٍ
كما اهتزَّ مِن طَيفِ (امرِئِ القَيسِ) هَودَجُ
ولِلحُبِّ في قلبي الذي شابَ رأسُهُ
وما زال إِن مَرَّت على البالِ يَأرَجُ
أنا لستُ مَن يُغرِيهِ إسقاطُ وَاجبٍ
ويُلهِيهِ عن تاجٍ مِن الغارِ دُمْلُجُ
ولستُ الذي يَعتاشُ مِن ذِكرياتِهِ
إذا صار يُبكِيهِ الذي كان يُبهِجُ
ولستُ الذي يَرتدُّ عن دِينِ قَلبِهِ..
إذا لم أُمُت حُبًّـا فإني مُهرِّجُ
.
أنا الآنَ لا أَدرِي لِمَ الموتُ صامتٌ
ولكنني أَدرِي لِمَ الصّمتُ مُزعِجُ
على كُلِّ حالٍ.. أَصبَحَ المَوتُ داخِلي
وما عاد يَعنِيني متى النفسُ تَخرُجُ
16-8-2023
