يشبه كبرياء الدمع المخنوق في عينيه
كان يحمل في يديه صحن فيه قطع من حلوى السمسم، ومع أنه يبدو في الـ 16 من العمر، إلا أن تضاريس العناء نحتحت على وجنتيه أخاديد من البؤس والتعب والارهاق، جعل رائحة الحزن المعجون بعزة النفس تفوح من قلبه..
جلس منزويا على كرسي الباص بروح نازفة.. لم يكن يشبه إلا قلبه المكسور.. حوالي 14 راكبا أخرا_ ذكور وإناث يتوزعون على كراسي الباص.. الجميع يتحدث.. ضحكات تعلو ما بين الفينة والأخرى.. رنين هواتف.. شكوى من حالة الطقس السيئة والخانقة..
إلا هو ملازم للصمت.. أو بالأصح ربما كان منشغلا بحوار مع نفسه المكسورة.. لماذا أنا هنا.. لماذا لم أسلك دربا نحو المدرسة.. ويجيب قلبه المكسور.. أنت كثير.. أنت تشبه كبرياء الدمع المخنوق في عينيك… أنت وشم من النور على قافية المدى..
بصوت خافت: قال على جنب.. توقف الباص.. ترجل نازلا.. مد يده ودفع أجرة الباص… هي مائة ريال…. سائق الباص كان يلحظة من خلال المرآة.. رفض أخذ الأجرة.. سأله لماذا… وحاول إخراج مائة ريال أخرى معتقدا أن الأولى لم يقبلها السائق..
السائق قال له خذ المائة الريال.. أنت تشقي على أسرة.. تجمد مكانه.. سقطت دمعة على خده.. ودعه السائق قائلا مع السلامة.. تلفت حولي وجدت بأني لست وحدي من يحاول إخفاء الدمع من على وجنتيه..
الضجيج الذي كان يسود الباص انتهى.. مد السائق إلى مشغل الأغاني.. استمر في تقليب الأغاني.. توقف فجاءة على أغنية: ” غزاني الشيب” رائعة بلفقيه.. الكل لم يجد غير الصمت تعبيرا.. وما أن وصلت الأغنية إلى ” وانا وحدي.. ذكرياتي كلها ضدي”… ردد السائق مع بلفقيه..
تصاعد صوت طرق خفيف على جانب الباص.. قالت على جنب.. نزلت ومدت يدها بـ 500 ريال ومضت في طريقها.. نادى عليها السائق خذي الباقي.. ردت اتركها معك لو وجدت شخص لا يوجد معه فلوس.. وعينيها ما زالت تظهر عليهما آثار الدمع..
لم أشعر بالطقس السيء.. شعرت برغبة كبيرة للبكاء.. أغمضت عيني وتحسست ذاكرتي بحثا على زاوية تليق بالموقفين.. وجدت زاوية أنيقة.. وضعت الموقفين فيهما.. وعطرتهما بالحب.. إنها الإنسانية بل قمة النبل والأخلاق وجبر الخاطر..