تعز التي كانت
مهما كتب الكتاب وبكى الباكون على مدينة تعز فلن يستطيعوا وصف المأساة التي تعيشها هذه المدينة الجميلة التي كانت مضرب الأمثال بالحياة والتعايش والسكينة والاستقرار.
لم تعد اليوم تعز تلك المدينة التي نعرفها لقد أضحت مدينة حزينة ذليلة باكية رغم كل ما يحيط بها من جمال الطبيعة وعبقرية المكان أضف إلى ذلك عبقرية الناس الذين يعيشون فيها بشكل متجانس منذ حقب بعيدة فهي مثلها مثل عدن من حيث التجانس بين فئات كثيرة من كل أنحاء اليمن أو القادمين من بلاد أنهكتها الحروب والصراعات لا يشعرون أبدا بالغربة والغرابة وقسوة المدن وعنفها غير المبرر لقد أمست تعز تجري مجرى الدم في أوردة كل من سكنها ومازال أو عاش فيها ردحا من الزمن ثم رحل بعد رزقه ومستقبلة إلى مدن أخرى داخل الوطن أو خارجة ومازالت الكتب تتوالى عن مدينة تعز حتى اليوم ليس أولها كتاب تعز دوحة التاريخ للمؤرخ المرحوم محمد محمد المجاهد وليس آخرها كتاب تعز عبقرية المكان الذي وثقته مؤسسة السعيد بتعز لمجموعة كبيرة من الكتاب والباحثين في شؤون المدن وعبقرية الأمكنة والأزمنة أو كما يسموها الزمكنة.
ما الذي حدث لتعز..؟!
هناك قوة أرادت السيطرة على تعز باعتبارها حاضرة اليمن وحاضرتها الثقافية واختطاف المدينة من نفسها وذاتها وعبقريتها الموغلة في التاريخ وأبهة الجغرافيا ورهبوت الجبل صبر الذي يحتضن المدينة كل مساء كما تحتضن الأم أطفالها الصغار الذين يحلمون بمستقبل جميل ينتظرهم أو كما الأب العظيم الحنون الذي يمسك يد أبنائه في اتجاه المستقبل.
كان أطفال الأرياف المحيطة بتعز أول ما يعوا على الدنيا أمنيتهم الأولى والمفضلة هي زيارة تعز ومن ثم يرتمون فوق صدرها العارم وهو وداع أو شبه وداع في الطريق إلى كل مدن الدنيا التي سمعنا بها أو لم نسمع وإلى كل بلاد العالم في مشهد إنساني عجيب لم يتكرر حتى في ظل أعتى الحروب والهجرات الإنسانية منذ الأزل ترافقهم مواويلهم وأغانيهم وأحزانهم وطموحاتهم الكبيرة لتغيير العالم وليس فقط بلادهم وقراهم وأريافهم ومدنهم ومستقبلهم وكأن الرحيل والاغتراب يجري في شرايينهم مجرى الدم وتنبض بها قلوبهم، لله ما أقساهم وما أصبرهم كانت تعز المدرسة الأولى في تعليم كل من يمر بها أبجدية الحياة والرحيل والعمل والركض خلف الغايات الساميات فماذا حدث لتعز..؟!
لتعز جبلا ومدينة وناسا وأسواقا وجامعات ومؤسسات ثقافية ومكتبات مركزية ومساءات حزينة قبل أن تتحول المدينة بكل ما فيها من حجر وشجر وجبال وهضاب وسهول وشباب وشابات ورجال وشيوخ وكهول إلى مقاومة أعتى غزو بربري داخلي من أجل إخضاعها وإذلالها وسلب خيراتها وتقطيع أوصالها ورأينا شبابا حفاة يتقافزون من تبة إلى تبة مثل الجن، ومن جبل إلى جبل ومن معسكر إلى معسكر ومن شهيد إلى شهيد دفاعا عن مدينتهم وكان أكثرهم مدنيون وطلاب جامعات وطلاب ثانوية ومن كل التخصصات بجانب من بقيت ضمائرهم صاحية واحترامهم لبزاتهم العسكرية قائما فما الذي حدث بعد كل تلك التضحيات لتعز..؟!
بقيت تعز محاصرة في أبشع حصار لعدو داخلي عرفه التاريخ على الإطلاق فقست بيوض الديناصورات لتخرج لنا أكبر عدد من العصابات التي تتقاتل فيما بينها على مغانم المقاومة التي على شكل أسواق القات ومنافذ الطرق المغلقة والمحاصرة معا وعلى مغانم الطرق الترابية المنفذ الوحيد والرئة الضعيفة والمتخمة بالبلغم التي تمد تعز وأريافها بالحياة في أبسط صورها والغريب والعجيب أن الجميع يدعون وصلا بالدين وأنهم حماة بيضة الإسلام في تعز وما حولها، وقدمت تعز خلال السنوات الماضية نموذجا وأحدا مشرفا وهو المقاومة الشابة التي مازالت تقاوم بأبسط الإمكانيات وفي أحلك الظروف احتراماً للأرض والعرض والشهداء الذين سقطوا بجوارهم في التباب والمرتفعات من جبل هان غربا حتى التشريفات شرقا واقفين دفاعا عن مدينتهم ومدنيتهم ومستقبلهم وقدمت أيضا نماذج مموهة كالحرباء لا يدري أكثر الناس من هم ومع من هم مع أنفسهم أو مع من..؟!
إذا كانت تعز بقيت تحت راية الحرية فأين أبسط مقومات الحياة..؟!
إلى متى ستبقى مدينة تعز رهينة الحصار الظالم والظلم من القريب والبعيد ماذا تعني الحرية والمقاومة غير الحياة وعكسها الموت والفناء..؟!