17 يوليو.. ذكرى صعود الرائد الذي لا يكذب أهله
لم يكن يوليو/ 1978م فقط مجرد رقم أو تاريخ صعد فيه علي عبد الله صالح إلى سدة الحكم وحسب، بل هو نقش حميري أصيل، تم تخليده بالوفاء والأنفة والكبرياء والزهد، ليكن مرجعية جدلية وتاريخية لوصول أهم شخصية استثنائية بكل ما للكلمة من معنى إلى سدة الحكم وامتلاك زمام أمور بلد مليء بالثعابين والحيات والعقد والتدخلات الاجتماعية والتباينات السياسية التي لا حصر لها ولا عد.
حمل من العصامية ما لم تحمله أي شخصية من تلك التي تسلقت عبر التاريخ والشعارات البراقة والنظريات الكسلة، وعن طريق العزف على الوتر الديني والخرافة والتأويلات الكاذبة والروايات الممزقة، ولا تزال تحاول السيطرة غير آبهة بظواهر الفقر والجوع والتشرذم والدماء التي تسيل والأرواح التي تزهق والممتلكات التي تنهب وتفقد والتشظي الذي لا نهاية له ولا أفق والقيم التي تسيح كما يسيح الزيت الجامد.
لقد كان الرئيس صالح هو الراوي والسايس، والخيّال الذي جاب صحراء وقفار الحياة رافعًا رأسه وبلده ومُحصِّنًا أسوار قلاعه بالحكمة والدهاء، جابه أقطاب العالم وروض عقول الأشقاء ونزق الإيديولوجيات وكان رجل الندية الأول، استطاع اجتراح أعوام من الرخاء والاستقرار رغم كل السياجات ودون أن يفرط أو يسلم.
الحديث يطول والوقفات تحتاج لقارئ يجيد لغة الوصف والإنصاف ويقدر الخطوات التي توالت عبر 3 عقود من الزمن، ويكون على الحياد حين يكوِّن فكرة أو يسدد كورة نحو المرمى.
يكفي أن نتوقف عند المشروع الديمقراطي في بلد مركب ومعقد، تلك التجربة الرائدة التي أسس بنيانها ومداميكها إبن تلك الأرض وفلاحها الأول العقيد علي عبد الله صالح، ابن سنحان التاريخ وحصون الجد الأول عفاش، القادم من جبالها راعيا حاذقا عسكريا، لا يتوقف عن الحركة والطموح، إلى قائد لواء في بقعة تشكل بعدا جغرافيا وسياسيا واجتماعيا ولا تزال وهي محافظة تعز حتى أدرك كرسي الرئاسة ليبدأ النضال والسطوع.
صالح البحار الذي أمسك المجاديف بحكمة وحنكة، ظل يطوي المسافات نحو بر الأمان، هو “الرائد الذي لا يكذب أهله”، كما قال صلى الله عليه وسلم، وهو الابن البار باهله والأب الرحيم بأبنائه والقائد الذي لا يخلف وعده، الشجاع الذي حرسته اياد سبأ قبل أن تتفرق، والفارس الذي اوقد شعلة الحرية في دياجير الظلام.
رحم الله صالح الذي تكالبت عليه أفكار الشر ومشاريع الخيانة وأنظمة الكواليس الجبانة وشخوص المسرح التهريجي الزائف، لقد كشف الأمر واتضح السقوط وأدرك الجميع أن فاقد الشيء لا يعطيه.