17 يوليو نهج استقرار سياسي لليمن والمنطقة
تحتفل اليمن بالذكرى الخامسة والأربعين ليوم 17 يوليو 1978، وهو اليوم الذي تولى فيه الرئيس الشهيد علي عبد الله صالح الحكم. وقد كانت اليمن في تلك الفترة تعاني من نظام سياسي ممزق وتنمية معدومة وحرية ضائعة. ومع تولي صالح الحكم، تحققت تحولات جذرية في إطار النظام السياسي، حيث تم تنظيم انتخابات حرة ونزيهة. إن حديثنا عن 17 يوليو 1978م له أبعاد مختلفة ومتعددة سواء على المستوى المحلي أو العربي.
هذا اليوم يمثل لليمنيين الغير متحزبين يوما للخلاص من الأيديولوجية اليسارية والمتطرفة والجماعات المسيسة للدين وأصحاب العقول الدكتاتورية الذين يهوون السيطرة على مقاليد الحكم. إن هذا اليوم الخالد كان علامة تحول سياسي في نظام الحكم في اليمن، ومن خلاله انطلقت عجلة الديمقراطية فكرا وسلوكا، وتمت من خلال النهج انتخابات أكثر حرية ونزاهة سواء في القطاعات الشعبية أو البرلمانية والرئاسية. لقد أشعل ضوء الديمقراطية في أكثر من بلد عربي والتوجه نحو صناديق الانتخابات بدلاً من الانقلابات.
وهناك بلدان عربية انزعجت اعتقاداً منها أن النهج الديمقراطي الجديد في اليمن سوف يؤثر على نظام حكمها وهذا غير صحيح. واثبتت التجارب أن النهج الديمقراطي الجديد في اليمن هو أحد ركائز الاستقرار السياسي والأمن القومي للمنطقة. وتطل علينا الذكرى الخامسة والأربعون ليوم الـسابع عشر من يوليو 1978، يوم أن تولى الرئيس الشهيد الزعيم علي عبد الله صالح مقاليد الحكم، في وضع كان أكثر قتامة وضبابية مما نحن فيه اليوم.
وإذا باليمن، منذ بزوغ فجر ذلك اليوم، تشهد تحولات جذرية في إطار النظام السياسي الذي كان قائما على الاغتيالات والانقلابات والدماء، فانتهج الزعيم الشهيد النظام الديمقراطي في نقل السلطة سلمياً وعبر البوابة الدستورية، مجلس الشعب حينذاك. عن 17 يوليو 1978 يقول الأديب والشاعر اليمني الكبير الأستاذ عبد الله البردوني في كتاب “اليمن الجمهوري”، “جاء علي عبد الله صالح إلى الرئاسة من أنقى الشرائح الشعبية ومن أكثرها إنتاجاً، لأنه من طبقة الفلاحين الذين عجنت تربتهم أنامل الأشعة وقبلات المطر”. ويواصل البردوني: “درج علي عبد الله صالح على الأرض التي يرويها العرق الإنساني وعبير السنابل وتتكئ عليها أهداب المجرات، فمن المعروف عن قبيلة سنحان قوة التفاني في الأرض وعشق الفلاحة، يتساوى في هذين الرجل والمرأة، لأن الأرض ينبوع عطاء الرب الذي وضعها للأنام وزخرفها بالخضرة والأنداء”.
إن الزعيم الشهيد علي عبد الله صالح، رئيس الجمهورية السابق، صنع التحولات الجذرية في شتى المجالات وعلى مختلف الأصعدة السياسية والثقافية والفكرية والتنموية والاجتماعية والاقتصادية. والتاريخ شاهد على إنجازات لم يسبقه إليها زعيم يمني في تحقيق نهوض من الصفر إلى مقدمة دول المنطقة في تحقيق طفرات من صناعة الديمقراطية في نظام الحكم المحلي، تجاوزنا به كل دول المنطقة العربية، وإلى حرية الرأي والتعبير، حيث تصدرت اليمن في عهده مرتبة متقدمة ليس في الوطن العربي وحسب، بل في مقدمة دول العالم الثالث، وما تحقق في عهده من الأمن والأمان، حتى كان له أن يحقق أكثر أمنيات الشعب اليمني تطلعا، وهو تحقيق الوحدة اليمنية والحفاظ عليها. إننا نحتفي بـ17 يوليو 1978 لأننا ندرك كيف كانت اليمن من قبل، نظاما سياسيا ممزقا وتنمية معدومة وحرية ضائعة، وفقرا ومرضا وجهلا، غير أن الزعيم الشهيد علي عبد الله صالح انتهج طريقا صعبا، وكان أكثر صلابة في تحقيق أكبر المنجزات، وفي أقل زمن ممكن مشاريع ومنجزات بمعدل مشروع ونصف باليوم الواحد، فقد تسلم اليمن وفيها كليتان فقط بجامعة صنعاء وكلية بجامعة عدن، وغادر السلطة بقناعة كاملة وقد أنشأ 11 جامعة فيها أكثر من ثمانين كلية، وعشرات المراكز العلمية والبحثية وجامعات تحت الإنشاء وعشرات من الجامعات الخاصة. وكانت اليمن قبل 17 يوليو 1978 تبتعث الطلاب إلى لبنان ومصر والعراق… الخ، لدراسة الثانوية العامة والفنية التي كان عددها 1880 مدرسة لكل المراحل الثلاث، ووصلت فيما بعد إلى 17114 مدرسة.
وبعد خمس سنوات، اكتفت كل مديريات المحافظات من مدارس الثانوية العامة. أما الثانوية الفنية والتقنية فلأنه لم يكن يوجد سوى 7 معاهد تستوعب 823 طالبا، فقد حظيت المعاهد باهتمام القائد الشهيد علي عبدالله صالح فتجاوزت (100) معهد ومدرسة فنية سنة 2006، منها (28) معهداً مهنياً و(27) معهداً تقنياً و(15) معهداً صحياً و(30) مدرسة ثانوية مهنية. وبعد عشرين عاما، أصبحت اليمن في اكتفاء كامل من مخرجات الجامعات لكافة التخصصات الانسانية والعلمية، وأصبحنا نبحث عن استيعاب المخرجات في أسواق العمل العربية والعالمية، ولا يبتعث غير التخصصات النادرة في الدراسات العليا لطلبة الماجستير والدكتوراه، وأصبحت الجامعات كلها لديها أقسام للدراسات العليا.
إن الاحصائيات في المشاريع والمنجزات التي تحققت تثبت أن الزعيم الخالد الشهيد علي عبد الله صالح كان قائدا استثنائيا في كل شيء وهبة من السماء لإنقاذ الشعب اليمني. ورغم محاولات أنظمة ودول وجماعات وأحزاب لطمس تاريخ الرجل، غير أن هناك سرا ربانيا يسقطهم في مستنقع الفشل.
لذا، نجد اليوم العدو والمحب أصبح يبحث عن يوم واحد فقط من أيام حكم الزعيم القائد الخالد الشهيد علي عبد الله صالح. إننا اليوم، وبعد 13 عاما من تسليم السيد الرئيس الشهيد علي عبد الله صالح للسلطة، لم نشهد مشروعا تنمويا واحدا، ولم نعرف طريقا لصندوق الانتخابات ولا نشعر بالأمن حتى داخل منازلنا أو الأمان أو الاستقرار.
وفقدنا الحرية بكل معانيها والتعددية والنور والحياة والكرامة والعزة والشهامة والشموخ، فقدناها مع رحيل آخر العظماء والزعماء والقادة العرب علي عبد الله صالح. وأتذكر جيدا في عام 2000، عندما زار اليمن عدد من الصحفيين العرب ورافقتهم في جولة داخلية وشاهدوا حركة المرور، عندها قال الكاتب الكبير ابراهيم نافع: الآن لديكم دولة، فقد زرت اليمن في مطلع السبعينيات وحزنت على وضع بلدكم.
أما الآن فأنا في سعادة بالغة. فحركة المرور تؤكد أن هناك دولة محترمة… و امتدح كثيرا التوسع العمراني وما تحقق من إنجازات ومشاريع عظيمة. إننا نحتفي بـ١٧ يوليو لأنه اليوم الذي دونه التاريخ لصناعة التحولات والتطور والإنجاز والتغيير الشامل من واقع مأساوي سيء إلى عصر الحداثة والتفوق، فكان علامة فارقة في تاريخ اليمن المعاصر. نحتفي بـ١٧ يوليو ١٩٧٨ لأنه ببساطة يوم الكرامة والهيبة والشجاعة والبطولة والرجولة والهوية اليمنية الخالصة. إننا نحتفل هذا العام ويعتصرنا الألم بعد فقدنا الكثير من الإنجازات والمشاريع التنموية وتوقفها لنحو 12 عاما، وما أنجز كان في الأصل تحت الإنشاء من عهد الزعيم الخالد الشهيد علي عبد الله صالح.
ولا يُصبّر أمثالي إلا أنه أنشأ أجيالا من الرجال والشباب الوطني المستنير المحبين لوطنهم والمخلصين لليمن الجمهوري، والعهد بهم قريب في صنعاء، في يوم ثوري سبتمبري و أكتوبري يجمع أجيال القائد الخالد الشهيد علي عبد الله صالح بأحفاد علي عبد المغني واللقية ومن سطروا أروع الملاحم الوطنية ضد الكهنوت القديم والجديد.