منبر حر لكل اليمنيين

(أحزانُ القَنابِيس)

28

قصيدتي اليوم في (ملتقى الموصل الدولي الأول للشعر العربي) والتي كان من المفترض أن تُلقى هناك، لولا أن سفري تعثر لأسباب خارجة عن إرادتي وإرادة المنظمين الأكارم.

لســـتُ إلّا مُغَـنِّـــيًا لا يُـطـاقُ
ماتَ فَنّي.. أَو ماتتِ الأَذواقُ

لي قَرارٌ، ولي جَوابٌ.. ولكن
ما لِصَوتِي ولا لِصَمتِي مَذاقُ

المَقاماتُ في فَمي ذابلاتٌ
أَين مني (زريابُ) أَو (إسحاقُ)!

أين مني شَجوُ (الغَزَاليْ) ومَوَّا
لُ (اْمِّ سامي)، وحُزنُها الرّقراقُ!

(دجلةٌ والفراتُ) عَينا مَشُوقٍ
غاضَتَا بي، وفاضَتَا يا (عِراقُ)

لا تَلُمنِي، إِذا أَنا دون صَحبي
جئتُ أَبكِي.. وكأسُ حُزني دِهاقُ

اليمانِـــيُّ إن بَكَـى أَو تَـباكَى
فالأسى فيه خِلقةٌ، لا اختِلاقُ

حين ضاق الخِناقُ غَنّيتُ.. لكن
ضاق حتى على الخِناقِ الخِناقُ

ما غِنائي ولِلعيونِ اصطِراخٌ
في بلادي، ولِلقلوبِ انفِــلاقُ!

للرّصاصِ الغِنـاءُ والرَّقصُ، أَمّـا
أغنياتي فنـازِحٌ أَو مُعــاقُ

قلتُ لمّـا رَأيتُ أَحزانَ شَعبي:
ياااا سُروري.. عليكَ مني الطَّلاقُ

لم يعد بي لِحُزنِ نَفسي مكانٌ
أَو بنفسي لغيرِ نفسي اشتياقُ

نازفٌ يا عِراقُ مِن كُلِّ عِرقٍ
لا تَلُمنِي.. ولا يَلُمنِي الرّفاقُ

إنّ هذا البكاءَ ليس انهزامًا
شِيبَ فيه الهَوانُ والإشفاقُ

بَل أَنَـاةُ الكَريمِ في قَبضةِ الذُّلِّ
استُثِيرَت، وصار يُدمِي الوَثاقُ

لي بلادٌ عظيمةُ الشأنِ.. لكن
أرخَصَتها عَمالةٌ وارتِزاقُ

جئتُ والحَربُ لم يزل جاهليًّا
يَقتفِيني، صَهِيلُها والنهاقُ

ما يزالُ (ابنُ ظالِمٍ) و(ابنُ قَيسٍ)*
خلفَ ظَهري، وما يزالُ السِّباقُ

والصَّواريخُ بيننا لامِعاتٌ
لا العَوَالي، ولا السّيوفُ الرِّشاقُ

أين أَعدُو.. ولِلجهاتِ انغلاقٌ
حين أُرمَــى، ولِلسَّماءِ انطِباقُ!

عادَتِ الجاهِليّةُ اليومَ،.. لكن
أين منها الذِّمَـامُ والأَعراقُ!

عاد أَهلُ الخِيامِ.. لكنْ جياعًا
في نُزوحٍ، يَسوقهم أَو يُساقُ

عاد أَهلُ البَسوسِ.. لكن رُؤوسًا
ما لِيَومِ انتِطاحِها (تَحلَاقُ)*

“قَـرّبا مَهبِـطَ القِيامةِ مني”
جاءَ عَصرٌ تطيرُ فيه النياقُ

“قَـرّبا مَهبِـطَ القِيامةِ مني”
نحن موتى إن ماتتِ الأخلاقُ

في زمانِ الأَزرَّةِ النّذلِ هذا
لم يعد لِلشجاعةِ استحقاقُ

صارت الخَيلُ كُتلةً مِن حَديدٍ
يَمتطِيها مِن بَطنِها السّوّاقُ

أصبح المَشرَفِيُّ مِن بُـعدِ مِيلٍ
يُطلِقُ النارَ.. فالنزالُ استِراقُ

والخَمِيسُ العَرَمرَمُ اليومَ طيرٌ
مَعـدِنيٌّ… كأنه لَقــلاقُ

كلّما طار قاصِفًا في بلادٍ
أو تهاوَى.. تطايَرَت أَعناقُ

لم يعد مِن مُرُوءةِ الجَهلِ شيءٌ
ساء حتى جِناسُها والطِّباقُ

كُلُّ شَيءٍ مُستورَدٌ، وابنُ سُوقٍ
والمُرُوءاتُ ما لها أَسواقُ

*****

يا (مُجِيرَ الجَرادِ) ماذا تَبَقّى
صار أغلَى مِن الشقيقِ الشقاقُ

قل لِشارٍ سِلاحَهُ مِن عَدوٍّ
لا يَخافُ الخَلِيقةَ الخَلّاقُ

لا تقل لي سيَفتَحُ اللهُ بابًا
إنّ طُولَ اتّكالِنا الإغلاقُ

إن يكن غيرَ مُقلِقٍ ما زَرَعنا
مِن شتاتٍ، فما هو الإقلاقُ؟!

هذه الأُمّةُ التي نحن منها
لم يعد في عُروقِها ما يُراقُ

كيف تَصحُو إذا غَفا الشعرُ فيها
وهو حامِي عَرينِها العِملاقُ!

كيف تَدري بما لها أَو عليها
أُمّــةٌ كُــلُّ أهلِــها أَبــواقُ!

إنَّ جُرحًا -بحَجمِها- لن يُداوَى
والتغابي طَبيبُهُ والنفاقُ

كان جَدّي عُرُوبةَ الأَمسِ يَشكو
وهي صَرحٌ.. لِواؤُهُ خَفّـاقُ

ما الذي اليومَ يَشتكي لو رآها
وانقِلابٌ يَسُوسُها وانشقاقُ!

ما الذي سوف يَشتكي وهي جرحًا
دون جسمٍ أَحالَها السُّرَّاقُ!

أين أَهلُ (القضيّةِ) اليومَ منها؟
أين ذاك الإرعادُ والإبراقُ؟!

ثار حتى “الغُرابُ والقِطُّ” عنهم
حين غابُوا، وطارتِ الأنفاقُ

و”الغَيارَى” خَمسًا وسَبعينَ عامًا
ليس إلّا على الخِلافِ اتّفاقُ

قبل طُعـمِ السَّلامِ كانوا نِيامًا
فاستفاقوا، وليتهم ما استفاقوا

(جولدمائيرُ) لم تَنَم يومَ نامَ الـ
ـثأرُ فيهم، ولم يَنَم (إسحاقُ)

فليَكُونوا حجارةً أَو حديدًا
ليس يُغرِي سوى العَبيدِ الإباقُ

وليَخُوضوا حُروبَهم كي يَخوضُوا
في سَلامٍ مَصيرُهُ الإخفاقُ

يُصبحُ الغَدرُ وَاقِعًا، لا احتِمالًا
حين يغدو مع الغُزاةِ العِناقُ

لَاقِـهِ بابتِسامةٍ.. أَو حَزينًا
لا يَرى غيرَ رأسِك الحَلّاقُ

*****

يا عِراقَ النّهارِ، لم آتِ نَجمًا
ليس لِلنّجمِ في النهارِ ائتِلاقُ

حين نادَت (أُمُّ الرَّبيعَينِ) باسمِي
مال عُودي.. واهتزّتِ الأوراقُ

طار بي الشوقُ حافِيًا مِن صَلاتي
مثلما طارَ بالنبيّ البُراقُ

وابتدَرتُ الغِنــاءَ.. لكنَّ جُرحًا
أطفَأَ اللّحنَ حُزنُهُ الدّفّاقُ

مُوجِعٌ -كالفِراقِ- أَن لا يُغنّي
حين يَلقَى حَبيبَهُ المشتاقُ

غيرَ أنّا على الجِراحِ التَقَينا
والتَقَينا، وما يزال الفِراقُ

يا عِراقَ الإباءِ.. هذا بُكائي
ليس عَيبًا أَن يَبكيَ العُشاقُ!

مالحاتٌ قصائدُ العَينِ.. لكن
ما لِعيشٍ بغيرِ ملحٍ مذاقُ

سوف نَطوي جِراحَنا ذات يومٍ
وتُجافِي القصائدَ الأَحداقُ

ويَعودُ الغِناءُ صِرفًا، وتُصغِي
لِلعناقيدِ هذه الأَعذاقُ

* ابن ظالم وابن قيس: هما صعلوكان صعاليك العرب الأشداء، ابن ظالم: هو الحارث بن ظالم المري، وابن قيس: هو البرَاضُ بنُ قيس الكناني، وبه قيل: أفتَكُ من البراض.

* تَحلاق: هو يوم تحلاق اللمم، وبه انتهت حرب البسوس.

* مجير الجراد: رجل من قبيلة طيء اليمانية، حطت الجراد في فناء منزله، واستأذنه الناس أن يدخلوا لأخذها، فحمل رمحه وأبى أن يسلمهم إياها وقد استجارت به، وظل يحرسها حتى طارت.

* أُمُّ الربيعَين: مدينة الموصل

تعليقات