أشعرُ بالبردِ القارسِ حتَّى في فصلِ الصَّيفِ؛
أشعرُ بالبردِ القارسِ حتَّى في فصلِ الصَّيفِ؛
فدَثِّرنِي -يا ولدي- بدفاترِ حُزني وحنيني،
فأنا لم أشعُر -في يومٍ ما- بالدِّفءِ،
تَجَمَّدَتِ الدُّنيا في حنجرتي،
لا دفءَ الحُبِّ عرفتُ،
ولا دفءَ الأحلام.
أشعرُ بالبردِ القارسِ
وأنا في قلبِ بلادٍ تحترقُ..
دثِّرنِي بدفاترِ حزني وحنيني
قد يجلبُ بعضَ الدفءِ الورقُ..
دثِّرنِي بالوهمِ؛ فإحساسي مُختَرَقُ.
وَهمٌ هذا الوطنُ الكذَّابُ وهذا الشَّعبُ الزَّائفُ..
مَن أتقاضى صرَّةَ أيَّامي المسرُوقَةَ!؟
مَن أتقاضى، والوقتُ جميعًا
مِن ذَهَبٍ، يذهَبُ كَالحُلمِ
ولا يرجعُ عند الصَّحوِ!!.
خسرتُ كثيرًا..
كانت ثروةُ قلبي أكبرَ من إرثِ صباحاتِ الدُّنيا،
كان معي شجرٌ للحُبِّ وأنهارٌ للبهجةِ وحقولٌ للعزفِ،
وأسرابُ عصافيرٍ تحرسُ جنَّةَ عاطفتي وسكينةَ روحي،
سَلَبَتنِيْ الثَّوراتُ المدسُوسةُ، أشيائي، في غمضةِ عينٍ،
سَلَبَتنِيْ قُوتَ عيالي، وابتَاعَتنِي للحِرمَانِ المُتَصَحِّرِ،
سَلَبَتنِيْ مُعتَقَدِي، ويقيني، وتسابيحي، وصلاتي.
معذرةً -يا ربّ- فليسَ بمقدُوريَ أن أفعلَ شيئًا،
معذرةً -يا ربّ- خسرتُ كثيرًا في هذا العالمِ،
ولأنَّ شوراعَ أحلامي، مظلِمَةٌ كقلوبِ الحُكَّام الفَجَرَةْ
بوصلةُ الوقتِ المنسيِّ، تُشيرُ إلى هاويةِ العَدَمِ الخَطِرَةْ.
مِن أوَّلِ سبتٍ لليُتمِ، إلى آخر جُمعَةِ أدخنةٍ وحريقٍ،
وأنا أتوسَّدُ خوفي وأحُكُّ المنفى بِبِرُودَةِ نِسياني،
وأُرَقِّعُ ذاكرتي بمراثي الإنسانيَّةِ والأوطانِ،
ولا أحدٌ يمسحُ رأسي وغُبارَ دُمُوعِي،
ويقولُ: سترتاحُ كثيرًا بعدَ قليلٍ،
وعذاباتُك سوف تزولُ تَمَامًا.
لا أحدٌ يحمِلُ عَنِّي
عِبءَ حَزَانَى الأرضِ،
كما قد يحمِلَ بَدَوِيٌّ
حِزمةَ حَطَبٍ خضراءَ،
فهل مِن أحدٍ يستقرئُ
قَهرَ البَشريَّةِ في أعماقي
وحنينَ الأرواحِ إلى الخُلدِ!!.
ضياعُ الصَّبرِ، يُسَمِّي الوحشةَ: جِسرَ عُبُورٍ،
والعابرُ في جُثَثِ التَّاريخِ، يُنادي الشَّبحَ الهائلَ:
يا حَمَّالَ المَوتَى من رَحِمِ الماءِ إلى حِضنِ الملحِ،
ومِن حانُوتِ الميلادِ إلى طاحُونَتِهِ المَشحُونَةِ بالبرزخِ:
أمَّا قبلُ: إلهي لم يَتَقَبَّل مِن قابيلَ، تَقَبَّلَ مِن هابيلَ الأهبَلْ
أمَّا بعدُ: الإنسانُ غريبٌ في الماضي والحاضرِ والمُستقبَلْ.
يا أُمِّي: تمثالُ الحريةِ في المشهدِ، لا يُنقذُ شعبًا مُستعبَدْ
فالأحرارُ ضحايا في ميدانِ التَّحرِيرِ، ضحايا وطنٍ يتَجَرَّدْ.
يا أُمِّي: سَقَطَت أقمارُ الحِكمَةِ في وَحلِ الدُّستُورِ الدُّوليِّ،
وَسَادَ الظُّلمةَ، جَلاَّبُ الرُّعبِ، وحصَّادُ الغُربةِ والغاباتِ،
وما احتَكَرَ الأفقُ عُواءً إلاَّ مِن ضعفِ كِلابِ الأرضِ؛
فكُلُّ مَسَامَاتِ الجَسَدِ العَرَبِيِّ سَتَبقَى ضَيِّقَةً،
والدِّيمُقراطِيَّةُ في النَّارِ تُحاوِلُ أن تَتَنَفَّس.
أينَ مَنافذُنا الأُولى؛ لِنُواصِلَ رِحلتنا نحوَ اللَّهِ..
تعثَّرَتِ الأُمَّةُ بحُرُوبٍ طامِسةٍ للمُعتقدَاتِ؛
فَقُطَّاعُ طرِيقٍ في الصَّلواتِ الخمسِ،
وَقُطَّاعُ طرِيقٍ في فِعلِ الخيرِ،
وَقُطَّاعُ طرِيقٍ في الآمَال.
أُقَرفِصُ في زاويةِ الموتِ،
أُقَلِّبُ -للحيرَةِ- كفَّ الدُّنيا،
وأقولُ: تَوَرَّطتُ بغيرِ حياةٍ..
هذا حظِّي -والوقتُ حُظُوظٌ- فِعلاً..
لَمْ أرَ وَجهَ الصُّبحِ المُشرِقِ مُنذُ دُهُورٍ،
فَلِمَاذَا تَحتَكِرُ الظلماتُ جِهاتِ الخَلقِ؟!.
ومُنذُ دُهُورٍ لَمَ أسمع صَوتَ الدِّيكِ نهائيًّا،
فلماذا تَحتَكِرُ التَّفجِيرَاتُ حَواسَ العَالَمِ؟!.
قال النَّجمُ القُطبِيُّ: حُطامُكَ أخطاؤكَ،
وعذاباتُك تعني بُعدَكَ عن ربِّك؛
فاكتُب بِدُمُوعِكَ مَعنَاك.
بكيتُ؛ فأبكيتُ الأحجارَ،
وما أقسَى أفئدة النَّاسِ،
تَخَلَّى عنِّي الأقربُ فالأقرب
وبقيتُ وحيدًا أتَعَذَّبُ.. أتَعَذَّب.
أحَدٌ أحَدٌ.. لا صَاحِبَةٌ، لا أصحَابٌ، لا وَلَدُ
كغريبٍ.. غيرَ الغُربةِ والكُربةِ لا يَجِدُ
يَرفَعُ كفَّيهِ إلى مَولاه وَيَرتَعِدُ:
لا حول ولا قوَّةَ إلاَّ بكَ، أنتَ وليِّي ونصيرِي،
ضاعتْ بوصلتِي فأضعتُ طرِيقي يا مولايَ،
أخافُ على نفسي مِنْ نفسي وضلالِ الغايةِ،
حسبي ووكيلي أنتَ.. أنا بين يديكَ ضعيفٌ،
أمِّنِّي مِنْ مكرِ النفسِ وكيدِ الشيطانِ وشِلَّتِهِ،
بَصِّرني بِبصِيرَتِكَ الأعظم مِنْ إبصارِ عِبادِكَ،
أطفئْ نارَ الشَّهوةِ في صدرِي بِمِياهِ يَقِينِكَ،
عَلِّقْ قَلبِي بِتلاوَةِ قُرآنِكَ وَعِبَادَتِكَ وحُبِّكَ،
لا تَفتِنِّي -والفِتنةُ تذعرُني- بِمَلَذَّاتِ الدُّنيا،
لا تَفتِنِّي بِالسَّعِيِ، وراءَ مَطَامِعِهَا الرَّعنَاءِ؛
فأسقُط في هَاوِيةِ الإِفكِ وَهَاوِيةِ الخِزيِ،
سُقُوطًا يعقبُهُ الخُسرُ المُوجِعُ والحَسرَةُ..
يا وَيلِي إن لمْ تحفظني يا ربِّ بحفظِكَ،
يا ويلي إن لمْ أتمسَّكْ بِكَ وبهديكَ..
لا يأخُذُ بتلابيبَ كِياني أحدٌ غيركَ،
لا يعلمُ ما في نفسي أحدٌ غيركَ،
لا يعطيني ما أتمنَّى أحدٌ غيركَ،
سبحانكَ سبحانكَ يا ربَّ الأربابِ،
لكَ المجدُ جميعًا، والمِنَّةُ والفضلُ،
بيدِكَ الخيرُ وأنتَ الحيُّ القيومُ القادرُ،
علِّمنِي علمًا ينفعني في دنيايَ وآخرتي،
زَوِّدنِي بالحكمةِ ما يكفيني في هذا العالمِ؛
كيْ انتصرَ على حِرماني والعجزِ المُتراكِمِ
وأدافعَ عنْ كلِّ مساكينِ الأرضِ المقهورين
المحرومينَ هُنا منْ كلِّ ضَرُورِيَّاتِ العيشِة..
لا أستغني عنكَ وأنت الكافلُ كلَّ عبادِكَ،
لا تخذلني وأنا العبدُ الراجي، لا تخذلنِي،
أقبَلتُ عليكَ فلا تعرض عَنِّي لا تعرض،
لا تحرمنِي، إنَّك لا تحرمُ مَنْ رَغِبَ إليكَ
فلمْ أجحَدْ حُبَّكَ لي -يا ملكُوتَ الرُّوحِ-
سَتَرتَ عَلَيَّ عيُوبًا نكراءَ فلَمْ تفضحنِي،
غطَّيتَ علَيَّ ذنُوبًا سوداءَ؛ فلمْ تشهِرنِيْ،
لمْ تهتِكْ عَنِّي السِّترَ وقدْ ألممتَ بِزَلَلِي،
وحلُمتَ كثيرًا عَنِّي بِتَفَضُّلِكَ الرَّبَّانِيِّ؛
فلَمْ تتَغَيَّرْ نِعمَتُكَ عليَّ، مدى الأزمانِ،
ولَمْ يتَكَدَّرْ عندي معروفُكَ وجميلُكَ،
فارحمنِي مُنكسرًا وذليلاً وضعيفًا،
وَقِنِي مِمَّا قدْ يجعلُنِي أعصيكَ بهِ،
واستَعمِلنِي بِخُضُوعِي والطَّاعاتِ،
وطَهِّرنِي بالنُّورِ وبالتَّوبةِ والإخلاصِ،
وأيِّدنِي بجلالةِ لُطفِكَ بي والعصمَةِ
واستَصلِحنِي خيرًا بالعافيةِ الكُبرى،
واكتُبْ لِي أمنًا وسلامًا مِنْ سَخَطِكَ،
وأَذِقنِي نِعمةَ عفوِكَ وَنَعِيمَ رِضَاكْ.