منبر حر لكل اليمنيين

الوَداعُ

29

إلى روح أمي صلوات الله عليها

سمائيْ نَيَازِكُ فوقيْ، وأرضيْ
بَرَاكِينُ تحتيْ لها أذْرُعُ

تَخَطَّفَنِيْ الموتُ مِنْ كلِّ صَوْبٍ
فَلَمْ يَبْقَ في العُمْرِ لِيْ مَوْضِعُ

لقد ضاقتِ الأرضُ،
والأمنياتُ،
ونفسِيَ،
ما لِيَ لا أجزَعُ؟

وقدْ شاخَ صبْريْ الجميلُ،
انْطَوَتْ
سمائيْ، وتاريخيَ الأوسعُ!

تَهاوى الأمانُ،
فَلا ملجَأٌ يُلمْلمُ خوفيْ،
ولا مَضْجَعُ

وعادَتْ إلى اللهِ أمّيْ،
فَلَمْ تَعُدْ داخليْ دَعْوَةٌ تَنْفَعُ

دفنتُ بنفسيْ الأمانَ الأخيرَ،
الوجودُ إذًا مُفْزِعٌ، مُفْزِعُ

بِكلتا يَدَيَّ،
وَوَدَّعتُها
وداعًا يليقُ بِمَنْ يرجعُ

على أملٍ من لقائيْ بها
لقاءً يليقُ بُمَنْ وَدَّعوا

وفي باطنِ الأرضِ، في بطنِها
لنا مُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعُ

إلى رحمةِ اللهِ،
فَلْتَذْهبيْ إليهِ، فرحمتُهُ أوسعُ

سأبكيْ عليكِ كَمَا يَنْبَغيْ
وأخْشَعُ في حَسْرَتيْ، أخْشَعُ

ولوْ أنّ مَوْتِيْ سَيُحْييكِ لِيْ
لَمِتُّ وفزتُ بِما أطمعُ

وَدَدْتُ لعَيْنَيْكِ لو أنّنيْ
أموتُ، أموتُ فلا أشبعُ

ولكنّنيْ الآنَ ما في يَدِيْ
سوى الحزنِ في أضلُعيْ يَرتَعُ

حزينٌ أنا منذُ جئتُ الحياةَ
فَماذا -لِأجلِكِ- قد أصنَعُ؟

ولدتُ حزينًا،
أرى داخليْ من الحزنِ ذا ماردًا
يَقْبَعُ

وماذا بوسعِيْ سوى الشِّعْرِ؟
هلْ يَشْفَعُ الشِّعرُ لِيْ فيكِ؟
هلْ يَشْفَعُ؟

وهلْ تصنعُ الأدمعُ المُسْتَحيلَ؟
وماذا إذا لم يَعُدْ أدْمُعُ؟

وهلْ تحملُ الأضلعُ الموتَ هذا؟
وماذا إذا لم يَعُدْ أضلُعُ؟

وماذا إذا أصبحَ العُمْرُ مَوْتًا
ولِيْ كلَّ ثانيةٍ مَصرَعُ؟

وماذا إذا لم تَسَعْنيْ البلادُ
ولمْ تَعُدِ الشمسُ لِيْ تَطلعُ؟!

لقد أصبحَ الليلُ لِيْ سَرْمَدًا
يُمزّقُنِيْ وَهْوَ مُسْتَمْتِعُ

أغالطُ نفسيْ بِكِتْمانِ ما
بها، كلُّ ما حلَّ لا يُقْنِعُ

لقد أصبحَتْ رحلتِيْ خُدَعةً
وأصدَقُ ماضٍ معيْ يَخْدَعُ

وأوْجَعُ مِمَّا يُصِيْبُ الفَتَىْ
من الهَمِّ كتمانُ ما يُوْجِعُ

لقد متُّ بعدَكِ،
حتّامَ أحيا وروحيَ لَمَّا تزلْ تُنْزَعُ؟!

وبعدَكِ ضِعتُ كثيرًا،
فَلَمْ يَحْيَ أكثرُ مِنِّيْ ولا أضْيَعُ

لقد هِمْتُ بعدَكِ في كلِّ وادٍ
فكلُّ حياتيَ مُسْتَنْقَعُ

وأصبحتُ للتّيهِ سيجارةً
فما لك يا تيهُ لا تقلعُ!

فيا ليتَنيْ لم أكنْ شاعرًا
ولم أدْرِ بِيْ أنّنيْ مُبْدعُ!

ولم أدْرِ أنّ
عليَّ الرّثاءَ الذي لا يُطاقُ
ولا يُدْفَعُ

كأنّ القصيدةَ
تغتالُها الذّكرياتُ التي صرتُ أستَرْجِعُ

كأنّ المَعانيَ مَحْشُوْرَةٌ في فَمِي،
فَهْيَ مُجْروحةً تُوْزَعُ

وهذيْ الحكاياتُ لا تَنْتَهِيْ،
كُلَّمَا جئتُها خانَنِيْ المَطْلَعُ

وهذيْ المَوَاويلُ
مَسْجُوْرَةٌ في دَميْ كالقِيَامةِ لو تُسْجَعُ

دفنتُ بنفسيْ بقيّةَ شمسيْ
أتحتَ الثّرَىْ الشمسُ قد تُوْضَعُ!؟

دفنتُ السماءَ جميعًا،
دفنتُ الحياةَ وعُمْرِيْ الذيْ أجمعُ

وأيقظتُ روحيْ على قبرِها شاهدًا،
لم تَعُدْ ضمْنَ مَنْ شَيّعوا

أخَبِّئُ عَنْ قبرِها ضجّتِيْ
فأصمتُ، لكنّها تسمَعُ

تعليقات