مصابٌ صباحُ القُرى بدوارٍ غريبٍ
مصابٌ صباحُ القُرى بدوارٍ غريبٍ
وعشبُ المراعي يئنُّ
كأنَّ غبارًا كئيبًا
جثا فوق أنفاسهِ
أو يدًا غير مرئيةٍ
طوَّقتْ ساعدَ الخضرةَ الموسميةِ بالجدبِ
لا شجنٌ في أغاني الرعاةِ
ولا عبقٌ في دخانِ المواقدِ
لا لهفةٌ في عيونِ الصغارِ
سوى لعبور التخومِ
وإهدارِ أعمارهمْ غربةً
فوقَ أرصفةٍ تتذكرُ
أوجهَ من عبروا قبلهم
مُثقلينَ بأحلامهم
قبلَ أن يغرقوا في السُدى.
يا لحزنِ الحقولِ
لقد شابَ شَعرُ الذُرى
من تأوهها
منذ أن جحدتها السنابلُ
لا يأسَ يُدركها
كلَّ يومٍ تنامُ
على أملٍ أن يؤوبَ
بنوها إلى حضنها في الصباحْ.
وحيدًا صباحُ القُرى
كان يفتحُ عينيهِ
فجرًا على ضحكاتِ الندى
كلما أيقظته خُطى القروياتِ
يحملُ جرَّتهُ مثلهنَّ إلى النبعِ
يحرسُ فاتنةً حسنها قهوةُ الطرقاتِ
إذا هطلت قطرةٌ من عذوبتها
أزهرَ الدربُ وامتدَّ عمر الشذا،
قبل أن يتسلل ليل المدينةِ يوماً
ويسرقها للأبد.
يقولون إن صباح القُرى مذنبٌ
فهو من شق ثوب الفضيلةِ بالصمت
مذ وجدوا قبلةً سقطتْ من شفاهِ
حبيبين فاض الهوى في ضلوعهما
فأراقا قليلاً من الوجدِ في المنحنى،
غير أن اللحى المكفهرة
جاءت إلى الصبحِ
تسأله عن دليل الجريمةِ،
إذ وحده من سيفضح سرهما
حين أطرقَ مبتسمًا،
ثم قال: ربما سقطتْ من يدِ الريحِ
أو ربما…
وأشارت أصابعه للسماء.
كان في وسع ليل القُرى
قبل أن يتسلقَ أسوارَ وحشتهِ
رتقُ هذي الشقوق التي اتسعتْ خلسةً
كانَ يُمكنَ أن يُخبرَ الحقلَ
أن الغيومَ تُعد لهُ فرحًا ممكنًا…
أن يصبَّ ربيعًا يلملمُ هذا الخرابَ لنشعرَ
أن الزمان النبي استعادَ فتوتهِ وابتدا.
وفي وسعِ ليل القُرى
أن يرشَّ قليلاً من الضوءِ
إن الحياةَ التي فرَّقتْ بين قلبين
صارتْ دُجى،
وفي وسعهِ
أن يمدَّ حبالًا من الذكريات
لمن رحلوا
أن يقول لهم: هل سنترك
كأسَ المنى المستحيلةِ
فوقَ سريرِ الطفولةِ كي تبردا؟
إن صبح القُرى الآن أعمىً….
وفي وسعنا أن نكون القميصَ
وفي وسعنا أن نكون الردى.
…
12 يوليو 2023م