ما قبل عام 2010 والزمن الجميل
لم أتخيل لبرهة أو في لحظة من اللحظات أن يصبح عام 2010 وما سبقه من أعوام من الزمن الجميل، وحُقبة خالدة، وذكرى جميلة لكل شخص أو إنسان منصف وصادق لا زال على قيد الحياة كشاهد عيان وبيان على العصر وقارئ جيد لماضي أنيق بكل سلبياته وإيجابياته وحاضر سحيق بكل مساوئه وعيوبه وفداحة واقعه المُعتم الكئيب..
“في الزمن الجميل ذاك”
كنت طالب في واحد من المعاهد الطبية الحديثة الكائن في شارع القصر لقربة من القصر الجمهوري ،وبيت الثقافة ،والبنوك التجارية، والسفارات ومقار البعثات الدبلوماسية الأجنبية والعربية ،والمستشفيات ،والنوادي الرياضية الصحية، ومحال الذهب ،واسوق الأدوية التي كانت تعج بالحياة والحركة والسيولة المالية والوظائف الحكومية والخاصة ولم أرى إلا وجوه لم يتلبسها كدر ولا يشوبها قلق ولم يسيطر عليها تخلف ولا يأتمر عليها جاهل..
“في الزمن الجميل ذاك ”
كنت أسافر وأنا الموظف والعامل في إحدى الشركات النفطية من قريتي المتاخمة للضباب والسحاب والنجوم والمعلقة والمتدلية كما لو كانت كوكبٍ دري من أعالي أحد الجبال الشماء الشامخة في الشرق الأقصى من محافظة إب والغرب الأعلى لمحافظة الضالع مروراً بذمار، وصنعاء، ومأرب حتى اصل إلى وجهتي الأخيرة بهضبة سيئون النفطية بمحافظة حضرموت الخير والعطاء والنماء والسلام والنبل والكرم بعد إن مررت وعبرت وتجاوزت كل تلك المرتفعات والمنحنيات والسهول والحقول والهضاب والسُمر والقتاد والجبال والرمال بكل ما فيها من جغرافيا متصلة وتاريخ متسق بسلام تام وطمأنينة متناهية وحينما لم نجد غرف شاغرة في فنادق المدينة البيضاء كنت وزملائي وغيرنا من المسافرين نلجأ إلى الحديقة القريبة من مكاتب السفر للراحة والنوم دون خوف أو قلق..
براً لم نكن نسمع إلا صوت واحد ولغة واحدة وأغنية واحدة ونشيد واحد وجميعها تهتف للوطن وبإسم الوطن،ولم نكن لنرى ونبصر إلا ملمح ووجه واحد فيه من الصفاء والبهاء والنقاء والسمو مايجعلك في سكينة وسكون وراحة بال على امتداد الجغرافيا الوطنية التي تتسع للجميع ولا تستثني أحد، أما جواً فكان الوضع جد مختلف ومبهر ومدهش والحديث عنه ذو شجون حد البكاء والوجع فما زلت اتذكر اللحظة الأولى التي طارت وحلقت بنا الطائرة الخاصة بالشركة من مطار شركة “توتال الفرنسية” آنذاك التي كانت تعمل أو صاحبة الامتياز في القطاع النفطي العاشر Block10 في هضبة خرير -مديرية ساه “بترو مسيلة” حالياً وعلى ارتفاع ليس ببعيد تراءت لي وحدات معالجة وتخزين وتصدير النفط الخام وعدد لابأس به من الآبار وشبكة هائلة وطويلة ومتشابكة من أنابيب النفط pipe line في واحد من أهم المشروعات النفطية اليمنية حينها وإلى جانبها أيضاً وفي نفس الموقع وحدة إنتاج الغاز ومحطة الكهرباء الغازية التي تم الاستفادة من الغاز المحترق والمهدور وتحويله إلى طاقة كهربائية مستفاد منها في مشهد درامي بحت كما تراءت لي عدد الكمبات أو مقرات الشركات العاملة من الباطن التي كانت تُشغل من الإيادي العاملة الألاف الأشخاص الذين يعيلون لآلاف الآسر في مختلف مناطق ومحافظات الجمهورية “مع الحرب فقد أغلب هؤلاء اعمالهم ووظائفهم” وأنا واحداً منهم..
“في الزمن الجميل ذاك”
كنت استيقظ باكراً وارتشف قهوتي اليمنية العتيقة الدافئة بمحاذاة إحدى الأحجار الكبيرة بجانب منزلنا العتيق على وقع وعذوبة أصوات جيل الكبار من الفنانين “أبوبكر سالم، أيوب طارش، محمد سعد عبدالله، المرشدي، الآنسي، السمة، الحارثي، نجاة الصغيرة، أمل كعدل” وغيرهم من الفنانين التي كانت تُبث أغانيهم شبه يومي عبر اذاعتي عدن وصنعاء كل صباح وما إن تبسط الشمس وترسل أشعتها الزاهية الباهية في كل الأرجاء والأنحاء حتى اتناول وجبة الافطار في إحدى كافيهات تلكم المدينة القريبة من قريتي والجاثمة بكل سكينة وطمأنينة بمحاذاة “وادي بناء “مع أولى ساعات الصباح وقبل أن يجف ويمحى آثار القهوة وحلاوتها أجدني قد انتقلت من تلك المدينة الثانوية إلى إحدى المدن الرئيسية في إب أو ذمار أو صنعاء بسلاسة وهدوء وأمان غير آبه بشيء ،وفي لحظة غامرة بمشاعر السعادة والبهجة أجدني قبيل مغيب الشمس متكئاً في أحد السواحل في عدن أو الحديدة أو سقطرى أو شبوة والمهرة ففي كل مكان كانت الدولة موجودة ومتواجدة بجلالها وكبرياؤها وكرامتها وأنفتها وأمنها وأمانها وواحدية أرضها وجيشها ومؤسساتها..
“في الزمن الجميل ذاك ”
كنت امارس جميع حقوقي الدينية ،والثقافية، والقانونية ،والوطنية بحرية تامة كما اريد أنا وليس كما يريد الآخرين وهنا لابد أن أقف واتوقف عند أبرز المواقف والمشاهد والمحطات والأحداث:
•مارست حقي الدستوري والقانوني كناخب في الاستفتاء والاقتراع في جميع الاستحقاقات الانتخابية (محلية-برلمانية-رئاسية) دون ضغط أو تهديد أو ارهاب ،وكان جميع المرشحين يتهافتون على صوتي الانتخابي كمواطن له حق الاختيار والتصويت قد يصنع الفارق الضئيل..
•كان لي حق العبادة والصلاة في أي جامع أو مسجد على امتداد البلاد وحضور أي خُطبة أو محاضرة أو ندوة دينية دون الحاجة إلى أذن أو تصريح مسبق من شخص أو جهة كما لم ينعتني أحد بطائفتي أو يضايقني لتوجهي أو يمنعني من عباداتي..
ليت اليمن ذيـك اليمن
ذي كان فيهـا كـل شي
الصبح نسبح في عــدن
والنـوم في إب العشي
محد يقـــلك انت مـن
ولا يلمـــــح لك بشي
تمشي بناء، تسلك تُبن
وإلا بـــــلاد المحبشي
مفتوح دربك والوطـــن
وين ماتروح بك مُنتشي
واليوم مابش لك ثمـن
فالكــل خــاين مرتشي
ضـاع البلـد بين الفتن
وكــل فاتـــر بــه يشي
يلا السلامـه يا زمـــن
مابـش أوادم تختشي
11يوليو2023 نيويورك