فرحة مقتولة
لم أنم الليلة الماضية، مر الوقت ببطء كمن يمشي على الأشواك، أحدق في الهاوية المظلمة داخل غرفة ضيقة، أخرج أكوام التراكمات” آه آه، لقد تحقق الحلم بعد أن مضى مِنْ العُمر الكثير، سأتزوج أخيرًا بمن أحببتها مِنذُ الصِغر، وسأحقق أول فرحة لوالدي اللذين لم يكفا عن سؤالي متى نفرح بك”؟
أترقب قمرا ما قبل الفجر وهو ينسحب من السماء قبل الأذان. أشرقت شمس الأحد بدفء مشاعر متوجسة، استيقظت العصافير على صوت الطبول التي تُقرع. الجميع مبتهجون، يؤدون طقوس الفرح في سقف المنزل، يرقصون شاهري جنابي البرع مِنْ الأعلى إلى الأسفل، ارتديت على عجل ثوبًا أبيضَ ومعطفًا أسودَ،
والدتي أمام الغرفة تحمل بيديها زهورًا تزين رأسي بها، مشاقِر الريحان مطويات في رأسي، عرفُه الفواح يضيف للنفس السكينة، جنبية حادة تربط الخصر…
ذهبتُ إليهم، قعدتُ على كرسي العريس كما هيَّ العادة، مسرورًا، أناظر العابرين وهم يرسمون ابتسامات جميلة، عندما يهمسون في أذنيّ، يهنئوني:
-أدام الله سرورك يا عريس. لم أكن أصدق أنّ هذا أنا، الآن على كرسي الزفاف بعد أنْ مر مِنْ عُمري ثمان وعشرون سنة مليئة بالتعب والهجران في منافٍ بعيدة على حدود اليمن باحثًا عن مال بعد أن فقدت وظيفتي بعد حرب ظالمة.
أشعة ذهبية تقترب مِنْ مُنتصف السماء، ترتفع درجة الحرارة أكثر، وفود الضيوف تتوالى مِنْ كل حدب وصوب، نتنقل للاستقبال مع الطبول مِنْ مكان إلى آخر، نرقُص وأصوات رصاص القناصين على ورقة بيضاء في البعيد نيرانها تُزعج الجبال.
عُدتُ إلى البيت في العاشرة لأنال قبسا من الراحة بعد أن طفتُ حول القرية تحت طقس حار.
-يا أصيل، أخوالك في الطريق.
ناداني أبي وهو يلهث مستعجلا:
علينا أنْ نذهب لاستقبالهم مع ضيوف من القرية المجاورة، ضيوف مسلحون كما هيَّ عادة وتقاليد القرية، ثم أضاف:
-أنظر للرصاص في البندقية، وخذ احتياطك، أريدك أن ترفع رأسي أمامهم.
أخذت كل ما يلزم من الرصاص، ذهبتُ إلى ساحة الاستقبال، الجميع متراصون ومنظمون ومرتبون في الأعقاب. الطبول حامية ورقصات بهلوانية يقوم بها الشباب، أهازيج شعبية قديمة يصدح بها كِبار السِنَ.
قبل الوصول بدأت تُعمر البنادق عند الشباب والكِبار، أقف في أول الصف ووالدي الثاني، أرجُف بغير العادة، لأول مرة سألتقي بخالي سلطان بعد فراق سبع سنوات، كُنتُ سعيدًا بأني سألتقيه بعد هذا الفراق، العرق يتصبب على جبيني، والدي يتحدث:
-أرفع الآلي وصوب نحو الجبل كي لا يصاب أحدٌ.
لم أنتبه لكلامه، بقيت أفكر بلقاء خالي الأحب لقلبي ووالد زوجتي المستقبلية.
بدأت أصوات الرصاص تملأ القرية، رفعت السلاح إلى حد معقول.
بدأت بالاستقبال وإطلاق الرصاص في الجو، الجميع يرمي، لا تكاد تُفرق بين صوت الطبول مِنْ صوت الرصاص، زوجة خالي تترقب بفرح من أمام منزلها في القرية المجاورة، لم نأبه لها ولا للأهالي الذين يترقبون الوصول، بين تِلكَ الضوضاء والضحكات المرسومة في الوجوه جميعًا، خرت ساجدة ملطخة بدمائها الزكية، هدأ الرصاص وبدأ السلام، بعد لحظات، رُفع صوت العويل، وبكاء أطفالها، نظرنا اتجاه بيته بتعجب، صرخ ابنها يوسف:
-رصاصة راجعة قتلت أمي.
- من صفحة الكاتب في فيس بوك.