هل كان الرئيس صالح يختار أسوأ العناصر إلى جانبه أم أن تلك العناصر أحسن الموجود ؟
هناك شبه إجماع على أن الرئيس علي عبدالله صالح كان يتعمد أن يختار أضعف الشخصيات إلى جواره ويحملونه مسؤولية ما يجري اليوم من انهيار للدولة ومؤسساتها ، وأنا واحد من الذين كانوا يذهبون هذا المذهب ، لكن بالجلوس مع النفس والغوص في الواقع المحيط بنا وجدت أنه لا يوجد أحسن من الموجود ، فحينما تقول للإخوة في المحافظات الجنوبية كان هادي نائبا للرئيس ثم رئيسا من بعده ولم يحقق شيئا ، يسارعون في الجواب أن صالح اختار هادي لضعف شخصيته ، لكن الواقع يقول إن هادي أفضل ما في الجنوب ، بدليل أنه لم تأت شخصية جنوبية تحمل مشروعا وطنيا وذات اعتزاز بنفسها ووطنها ، وبالمثل حينما تنظر في اختياراته من تعز ، فلن تجد شخصية تتجاوز العليمي والبركاني .
لقد كان على علم بأن الذين أختارهم كانوا أفضل الاختيار ، لهذا كان يقول بأنهم لن يستطيعوا أن يحكموا أسبوعا واحدا وأنهم خبزه وعجينه ، والواقع يقول ، إنه لم تظهر حتى الآن شخصية وطنية ولا حتى فصيل سياسي يعتد به ، فكل الذين كانوا معه أو معارضين له ، هم الذين استمروا في نشاطهم السياسي ولم يبرز أي تيار وطني لديه استراتيجية واضحة ، فلنأخذ على سبيل المثال بن دغر جنوبا والبركاني شمالا ، فهل هناك من ينافسهما بأفضل ما لديهما ؟
وإذا ما توقفنا أمام الشرعية ، فسنجدها وهي المشروع الأبرز لتقديم أفضل مما كان لدى صالح ، لكنها تحولت إلى كيان لا وطني تحت لافتة الوطنية وسجلها مع السعودية والإمارات حافل بالتبعية المجانية وتحولت إلى منصة متقدمة لتصفية الوحدة وانتهاك السيادة الوطنية والاعتداء على أرزاق الناس وممتلكاتهم وحرياتهم وأعراضهم ، ناهيك عن ارتباط الجميع بالإتاوات وتجارة الممنوعات والصراع على واردات الضرائب والمنافذ ، والسؤال الذي يطرح نفسه : ما هو الفرق النوعي بين هذه الممارسات وتلك التي تمارسها عصابة الحوثي ؟
وإذا ما تركنا أولئك الذين جاءوا وفق اختيار صالح وانتقلنا إلى أولئك الذين زعموا أنهم ثاروا على فساد صالح وأعوانه وضحوا من أجل الحرية والعدالة ، سنجدهم أكثر فسادا ممن سبقهم ، بل تجاوزوا الحدود المتعارف عليها دوليا ، فهذا معين عبد الملك القادم من الساحات معدما ليس لديه سوى راتبه الشهري ، أصبح ينافس أكبر الأسر التجارية في اليمن وجعل الفساد برنامجه الحكومي واستراتيجيته لنهب المال العام .
من اللافت أن هناك عجزا في إيجاد كيان وطني ذا مصداقية ، وكلما ظهرت بعض الدعوات سرعان ما تخفق ، بسبب غياب الشخصيات الوطنية المستعدة للتضحية من أجل الحرية والعدالة ، فدعوة الميسري وجباري والجبواني انتهت ، بسبب تحول الميسري من مشروع اليمن الكبير إلى مشروع جنوبي ينافس به الزبيدي ، وبيان بن دغر وجباري انتهى بجباري وحيدا بعد أن غدر به بن دغر وعاد إلى الرياض ليواصل مشروع المقايضة بالوطن ، واجتماعات الجبهة الوطنية للإنقاذ التي استمرت أكثر من عام تفككت تحت نزوات الباحثين عن السلطة خارج الوطن بعدما جردهم الحوثي منها داخل الوطن .
الوضع الذي تعيشه الشرعية اليوم ، هو جزء من الحالة العامة البائسة التي تعاني منها القيادات الحزبية ، من المؤتمر إلى الإصلاح إلى الاشتراكي إلى الناصري ، وهي حصيلة تراكمية لغياب الكفاءة الوطنية ، ولو وجدت هذه الكفاءات لملأت الثغرات والنواقص التي توجد في الشرعية ، فضعف اليدومي والآنسي والمخلافي والعتواني وعبدالله نعمان والعليمي والبركاني وبن دغر ليس سببها صالح ، بل هي سمة في شخصيات أصحابها ، ولو كان هؤلاء لديهم ارتباط وطني ، لكان بمقدورهم مواجهة الفساد ولو ضعوا المجتمع الإقليمي والدولي أمام مسؤولياته .
سيظل اليمنيون يحملون صالح سبب ضعفهم وغياب مشروعهم الوطني وستظل معاناتهم قائمة في معيشتهم القاسية وانهيار التعليم والصحة والخدمات اللازمة كالكهرباء والمياه والوقود وسيظل القائد الذي يعول عليه الناس غائبا ، يعود السبب في ذلك إلى عدم وجود الشخصيات القوية المؤمنة بالمصلحة العامة التي تساوي بين مصالحها ومصالح الآخرين ، حينما توجد هذه الشخصية ، سوف يحتضنها ملايين من اليمنيين المتضررين الذين وصلوا إلى قناعة بعدم الالتفاف حول المشاريع الطائفية والمناطقية وأعتقد أن ذلك بات قريبا .