الذكرى ال 41 لرحيل: الشاعر الفضول المعجون بالسياسة والمفتون بالغناء والوطن !!
الذكرى ال 41 الذي يصادف 5 يوليو 1982م لرحيل : الشاعر الفضول المعجون بالسياسة والمفتون بالغناء والوطن !!
في ذكرى رحيله كثيرون يجهلون حياة الفضول (عبدالله عبد الوهاب نعمان ) ومراحل عطائه سواء في مجال النضال الوطني المبكر أو مراحل تجربته الشعرية المتعددة والتي خاض فيها أنواعاً متعددة من ألوان الكتابة الشعرية. ولقد نسي الكثيرون الشاعر والكاتب والصحفي والساخر ، ولا يتذكرون منه سوى ذلك الهديل الجميل الذي يتردد عذباً قوياً من أجمل حنجرة يمنية هو أيوب طارش سواء كان من خلال الأغنيات العاطفية التي زرعت في قلوب اليمنيين كل حب الحياة أو تلك الأناشيد التي صدح بها أيوب من النشيد الوطني إلى هتافات للشعب ، وهناك من لايعرف أنَّ الأناشيد التي خرجت أقل بكثير من الأناشيد التي مازالت حبيسة الأوراق ، وتنتظر صوتاً جديداً أو امتداداً لأيوب وموهبته الفطرية لإخراجها .
كان الفضول من الرعيل الأول في الحركة الوطنية التي تشكلت في الأربعينيات في عدن وله شعر وطني يوازي مجايليه مثل الزبيري وزيد الموشكي والبردوني وغيرهم ممن تبعهم في الخمسينيات ، وبكل أسف أن الباحثين الذين تناولوا موضوعات وقضايا الشعر اليمني وكانت مقررة على طلاب الجامعات في الأقسام الأدبية أو متطلبات الجامعات والكليات سواء من مؤلفات الدكتور المقالح ( رسالته للماجستير ) أو الدكتور عزالدين اسماعيل (مُقرَّر لطلاب جامعة صنعاء وغيرها من جامعات اليمن )وكثير من الدراسات في الأدب اليمني وغيرهما كثيرون لم يتناولوا شعر الفضول الوطني على الإطلاق بسبب غياب مصادر البحث وأعمال الشاعر ، ولذلك نشأ جيل كبير من اليمنيين يجهل هذه المراحل المهمة من تجربة الفضول مع الشعر الوطني الذي دعا لاستنهاض همم اليمنيين للقيام بالثورة ضد الإمامة وطرد الإستعمار الإنجليزي معاً، ولعلنا لانبالغ إذا قلنا أن للفضول قصائد لاتقل جمالاً وروعة ثورية من قصيدة (سجل مكانك في التاريخ ياقلم )التي رضعتها أجيال من اليمنيين ومازالت تجري في دمائنا مجرى الدم .
أما أوائل فترة الخمسينات فقد أنصرف الشاعر إلى صحيفة الفضول الساخرة ، ومادتها الصحفية اليومية التي أخذت منه الوقت والجهد والدم ، ولكنه أيضاً أتحف القراء بقصائد شعبية ساخرة تناقش أهم القضايا في تلك الأيام ويعتبر الفضول من أهم الأقلام التي تفننت في السخرية ويعتبر رائداً مهما في هذا الميدان ودليل على تعدد مواهبه وعبقريته في كل مجال يطرقه أو يوليه اهتمامه .
في بداية الستينيات أنصرف إلى التجارة وكانت على رأس تجارته قرون الفيلة من جنوب شرق افريقيا إلى اليمن وهي تجارة صعبة يبدو أن الفشل لازمه فيها سريعًا ، فعاد إلى ممارسة السياسة وتبوأ مناصب عديدة من أهمها منصب وزارة الإعلام زمن الإرياني ثم قام في موقف غريب وذلك بإعلان استقالة الحكومة التي كان وزير إعلامها عبر إذاعة صنعاء رفضاً لما صارت إليه أمور البلاد وتبوأ عدداً من المنصب هنا وهناك كان آخرها مستشاراً لوزارة لرئيس الجمهورية لشئون الوحدة وأطلق على نفسه ساخراً بكونه المستشار الذي لايستشيره أحد ، وهذا موقف مهم فهو يكشف لنا شخصية الشاعر وجوهره الحقيقي ومعدنه الأصيل الذي لم تغره المناصب يوماً .
وكان في منتصف الستينات قلبه قد دق بقوة وهو على مشارف ال55 من العمر. مع ان الحب كان يجري في دمه بلا توقف ، وأحب وكتب شعراً عاطفياً يُتغنَّى به ؛ وكلنا يعلم غنائياته المفتونة بالحب الكبير والتي نسمعها منذ ميلادنا وحتى اليوم من حنجرة أيوب ، ولذلك حاول البعض اطلاق تسمية الشاعر الغنائي عليه وحصره ، والحقيقة أن الفضول شاعر يصعب حصره في غرض أو مجال محدد فقد كانت مقالاته إلى جانب قصائده الوطنية والغنائية ثم الأناشيد الوطنية التي كتبها في السبعينيات تحديداً وفي عصر الحمدي خاصة من أنبغ ما كتبه في مسيرته الإبداعية الطويلة والعريضة .
وما توصلنا إليه في مراحل البحث وتوثيق شعر الفضول أن شعره لم يكن حتى في متناوله شخصياً إلى حد كبير؛ ولم يكن يفكر في تلك المرحلة بطباعة أعماله لأسباب عديدة أهمها أنه كان يود طباعة أعماله الكاملة في الوقت الذي كان مازال يكتب بغزارة وحنكة وثراء قلَّ نظيره ، وما نود أن نشير إليه هنا أن الفترة التي يعتقد الكثيرون أن الفضول كتب فيها شعره الغنائي والعاطفي وأناشيده الوطنية وأنه قد توقف عند هذا النوع الأدبي والشعري كان اعتقاداً خاطئاً تماماً ، لأنه في تلك الفترة كان يكتب شعراً سياسياً من الطراز الممتاز ، وهي تجربة مميزة وقوية وغزيرة الإنتاج ويكتفي بإ لقائه على مجالسيه وأحبابه القريبين منه ، وهو يرى الأوضاع قد تردت ووصلت إلى مالم يكن يحلم به أي وطني شريف مثله نهاية السبعينيات وخاصة عقب مقتل الحمدي بتلك الصورة البشعة واغتيال مشروعه الوطني .
كان مبدعاً موسوعياً بكل معاني الكلمة في زمن التخصصات ، ولا ننسى هنا أن نذكر أنه كان مدمناً على سماع العزف بالعود من كبار أساطينه في عدن وفي مقدمتهم محمد صالح عزَّاني وغيره ، مما أثرى مخيلته وقوالبه الشعرية في كتابة الشعر الغنائي والوطني وحتى السياسي ، مما جعل قصائده تولدُ مغناةً ، ولعل هذا ساعد كل من غنى له شعرا عاطفياً أن يبدع في تلوين قصائده بألوان الطبيعة اليمنية الفاتنة وملأت خيال الإنسان اليمني بالجمال الفاتن .
ولعلنا سنكتفي هنا بإيراد نموذج واحد فقط لرؤية الفضول المتسعة الشاملة
فهو في الوقت الذي كتب فيه هذا المقطع من النشيد الوطني :
رايتي رايتي ..يانسيجاً حكته من كل شمس
أمتي أمتي يانشيداً رائعاً يملأ نفسي
وحدتي وحدتي …أنت عهدٌ عالقٌ بكل ذمَّة
عاد وكتب قصيدة من أهم مالفت الإنتباه إليها هذا المقطع السياسي القوي :
هذه الساحةُ ليستْ ساحتي ما فشى السوءُ بها واستعلنا
هذه الأمةُ ليست أمتي إن جثى الرفضُ بها أو أذعنا
هذه الرايةُ ليستْ رايتي طالما كانت لحقٍ كفنا ….
ومن قصيدته المطولة – في نقد الفساد والسوء والقتل والإمامة الجديدة – معبدُ الأوثان :
كم تساءلتُ ولم ألق جوابا
أين عن أرضي وجهُ الصدقِ غابا
أيُّ أرضٍ هاذه لم تُـبـق بها الآثامُ للخير حسابا
شبعت كلُّ الحقارات ومضتْ كلُّ الطهارات سغابا
كم فؤوسٍ فوقها جاءتْ تُعملُ في الأخلاق قصلاً واحتطابا
كلَّما قلتُ : أنتهى السوء عليها تبدَّى هرمُ السوء شبابا.
*باحث وكاتب.. من صفحته على فيس بوك.