العيد في اليمن… أيام تمضي في مهبّ البيات
يطلّ العيد مصحوباً بأغانٍ تحتفل به، كما لو أنها وشم من الذاكرة يصبح حاضراً. وأحياناً، تستأثر أغنية بكل شيء، إذ تتوارثها الأجيال، لتكون الأغنية الرسمية للعيد. وفي اليمن، لم تتوقف إصدارات أغاني العيد سنة بعد أخرى، بينما لا تزال أغنية الفنان علي الآنسي، “آنستنا يا عيد”، على مقام البيات، هي الأغنية الرسمية لعيد اليمنيين.
ترتبط أغنية الآنسي بوصايا للعيد، أهمها بكونه مناسبة للضحك على الأيام من أجل الفرح. بمعنى أنه مناسبة لطي الأوهام والأحزان والخصومات. وفي نفس الوقت، هو فرصة لتبادل الفرح، من دون نسيان المحتاجين بعيدية تبسط عليهم كفاً من السعادة.
وبين الماضي والحاضر شهدت أغنية العيد اليمنية بعض المتغيرات. وفي السنوات الأخيرة، فرض الواقع نفسه بمرارته، ليترك على مناسبة العيد غصة بالنسبة لكثير من اليمنيين. لكنها كمناسبة أيضاً، تبقى فرصة للتخفيف من آلام الحرب والخراب، والظروف الاقتصادية القاسية، يعاني كثير من اليمنيين لاجتياز عقبتها، وإن كان بأدنى المتطلبات والاحتياجات. وفقاً لذلك، تغيرت ملامح الأغنية من الواقعية، إلى اجتزاء العيد كفرحة متصلة بعادات محددة، أو تضمينها تعابير يومية. فأغنية الآنسي، لم تغفل استحضار مشهد اجتماعي واسع للعيد، حتى وإن كان ذلك على شكل وصايا، لتتضمن صوراً اجتماعية على صلة بعادات وقيم اليمنيين، وتجسدها مع الابتعاد عن المنغصات التي تفسد هذه الأجواء.
ولعل هذا المزاج الواقعي، مثّل فرصة شهدتها اليمن بعد ثورة سبتمبر وأكتوبر في الستينيات. غير أنه لم يلق بيئة محفزة له كي يتبلور ويتطور بالصورة المطلوبة. فاليمن خرج من واقع تتقاطع فيه قيم قروسطية وبدائية، إلى العصر الحديث. ولأسباب داخلية وخارجية، لعب عدم الاستقرار دوراً في كبح عجلة التحديث، الذي بدوره سيكون محفزاً للفنون والثقافة.
ولدت أغنية العيد لتغطي برامج الإذاعة والتلفزيون في هذه المناسبة، وأصبحت أغنية مثل “آنستنا يا عيد” راسخة إلى حد كبير، نتيجة اعتمادها في التلفزيون والإذاعات الرسمية. قبل الوحدة في جنوب اليمن، ولدت أغنية العيد بنفس تيار الندوة الموسيقية العدنية، وهو التيار الذي لم يتأثر بالألحان المصرية فقط، إنما اعتمد النسيج الموسيقي المصري والمقاييس المقامية المُتبعة في مصر، والتي تختلف عنها في اليمن.
واتخذت طابعاً وجدانياً في عدن، كما هو حال أغنية الفنان الراحل محمد عبده زيدي، “اليوم عيد الهنا”. اختار زيدي مقام الراست لصياغة لحن العيد، واتسم غناؤه بأسلوب عاطفي. ومقارنة بسابقتها، فهي أقل توثباً. الأغنية بمثابة إعلان بمجيء العيد، ودعوة للاحتفال عبر المعايدة، كما أن مقام الراست يضفي على اللحن مسحة وقورة. أما أغنية “الله اكبر” للفنان أحمد بن أحمد قاسم، فهي اكثر اتصالاً بعيد الأضحى، لاستخدامها الثيمة المعروفة “الله اكبر الله أكبر”، وبنفس الوقع. وتتسم بطابع ترنيم، حاول من خلالها الفنان الراحل أن يضفي بُعداً روحانياً على العيد، بطابع شرقي لافت.
لكن أغاني العيد اليمنية التقليدية، أخفقت في التعبير عن فرحة العيد، واهتمت بصيغة اللحن. فأغنيتا زيدي وقاسم، اهتمتا بصيغة اللحن، وطغى عليهما مظهر الحزن، فنجدها عند زيدي ذات مسحة عاطفية، مفتقرة لأي حيوية. نفس النبرة الحزينة في أغنية قاسم، وإن اتخذت مسحة تعبيرية روحانية، خصوصاً في مطلعها. عموماً، لم تعكس أي شكل تعبيري يتصل بروح العيد. والغريب أن تلحين أغنية العيد الشائع، قلما استخُدم فيه مقام العجم الفرائحي، واستبدل غالباً بالبيات أو مقامات شرقية.
تشترك أغنية الآنسي في طابعها التعبيري الذي يمنح الغناء للعيد دندنة لا تمتاز بالفرح. وما جعلها أكثر ديمومة وحضوراً في مناسبات العيد اليمنية، عدة جوانب، منها تركيزها الشعري على الجانب الاجتماعي، إلى جانب الصيغ اللحنية البسيطة التي تمضي على رتم واحد، من دون إفراط تنغيمي، أو شرقنة مستفيضة بالتعبير العاطفي. يُضاف إلى ذلك، اتصال الأغنية بالروح التقليدية، وتحديداً تراث الغناء الصنعاني. وأكثر جانب مرتبط بحضورها الدائم يعود إلى استحضارها خلال المناسبات في القنوات والإذاعات الرسمية، وهو ما أصبحت تتبعه كذلك القنوات اليمنية الخاصة، إضافة إلى ذاكرة الناس التي تحتفظ بالأغنية كتقليد يُعبر عن العيد.
وبالنسبة للأغاني الأحدث التي تناولت مناسبة العيد، فكانت أغنية حسين محب، “جهزي المبخرة”؛ إذ تمثّل محاورة مع الزوجة بالنمط التقليدي؛ فيطالبها الزوج بتجهيز المبخرة، وهذا جانب من تقاليد احتفال اليمنيين بالعيد في إشعال المباخر. بينما اعتمد محمد العماد، “عيد العافية”، مقولة شائعة عند اليمنيين اتّخذ منها عنواناً للأغنية. وتُستخدم هذا العبارة لمواساة من يعاني في توفير أقل متطلبات العيد.
من جهة أخرى، فإن معظم الإصدارات الجديدة تتسم بطابع تقليدي، بما فيها آخر أغنية اشترك فيها حمود السمة مع ماريا قحطان، وإن طغى عليها الكيبورد، ومسحتها الإيقاعية، لكنها ظلّت عملاً تقليدياً. اعتمدت هذه الأغاني مقام البيات في لحنها، كما لو أن العيد في اليمن لا يكون من دون نغمة الربع تون، على أن غالبية الإصدارات الجديدة ما زالت أكثر التصاقاً باللحن التقليدي، كما هو حال معظم الغناء في اليمن.
(العربي الجديد)