منبر حر لكل اليمنيين

غياب المشروع الوطني لدى المجلس الانتقالي جعله يؤسس للخراب

22

من يتابع مجريات الأحداث في المحافظات الجنوبية والشرقية ، يجد بوضوح كيف بدأت ملامح الصراع المناطقي تبرز إلى الواجهة ، خاصة بعد أن قدم المجلس الانتقالي نفسه كوريث حصري للحزب الاشتراكي واستعادة الدولة التي كان يحكمها قبل قيام الوحدة الوطنية ، مما خلق تذمرا لدى الغالبية من سكان المحافظات الجنوبية والشرقية وعدم التسليم له بذلك ، فقد ظهر إلى الوجود المجلس الحضرمي كمقدمة لمجالس أخرى ستظهر في المهرة وشبوة وغيرها ، ستعمل على خلق صدام مناطقي ، كانت الوحدة قد عملت على منعه .

وسط هذه الأزمة ، التي لا علاقة لها بشكل مباشر أو غير مباشر بهموم اليمنيين اليومية ، دفعت بعض قيادات الانتقالي للتهديد بالتحالف مع مليشيا الحوثي للاستمرار في مواجهة الوحدة كمشروع وطني جامع ، هذا يؤكد غياب المشروع الوطني واستبداله بمشاريع خاصة تقود أصحابها للتحالف مع مشاريع خاصة أخرى على حساب المشروع الوطني الجامع ، وإلا ما الذي يجعل الانتقالي يقدم مشروعا وطنيا لليمنيين جميعا ويقدم تصوراته للدولة الوطنية التي يرى أن غيره قد فشل في إدارتها وسيلتف حوله أغلب اليمنيين .

ولا نحتاج إلى تأكيد بأن المجلس الانتقالي مثله مثل مليشيا الحوثي ، مثل بقية المليشيات الأخرى ، جميعها عطلت المشروع الوطني وأعاقته وكرست مصادرة حقوق المواطنين وجميعها تقدم المبررات لفشلها في تقديم الخدمات للمواطنين بالحديث عن الآخرين وتحميلهم المسؤلية ، لهذا السبب ستظل الأزمة قائمة ، طالما أن المليشيات لن تسلم في أي يوم بالمعادلة التي تكرسها أي تسوية مرحلية ، وستظل تتحين الفرصة المناسبة للانقضاض عليها ، فكل مليشيا ستشعر في لحظة ما أن لديها فائض من القوة يفوق ما لدى المليشيا الأخرى ، ستذهب إلى الانقضاض عليها .

البعض يذهب إلى أن ما يجري هو تكتيك من قبل الدكتور رشاد العليمي كونه لا يؤمن بالانتماء المناطقي ، لكنه لا يملك قوة قادرة على حمايته وتأمين أي التفاف شعبي حوله في الوقت الراهن ، لكنني لست مع هذا الرأي ، فلو كان ذلك تكتيكا من قبل العليمي ، فإنه بالمفهوم السياسي والاستراتيجي يغرق نفسه في قضايا كبرى ، هي موضع انقسام ، لا يمكن تداركها فيما بعد ، والمطلوب ، هو مشروع وطني قادر على كسر الحلقة المفرغة في المشاريع الصغيرة .

فالأزمة اليمنية ، هي أزمة غياب المشروع الوطني ، وحتى المشاريع الطائفية والمناطقية ليست بأفضل حال ، فهي عبارة عن أدوات لإضاعة حقوق المواطنين وتعطيل التنمية ، وهي وقود لحروب مستمرة ولن تكون أساس أي إنقاذ ذات يوم ، بل هي تكريس للانهيار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني ، وهي تملأ فراغ خلفه غياب المشروع الوطني .

نحن إذا ، أمام مليشيات تصنع مؤسسات النظام السياسي في ظل غياب الدولة ، وأصبح مجلس القيادة الرئاسي الذي يمثل الشرعية ، هو الذي ينمي الانتماءات الفرعية والهويات الثانوية المانعة من وحدة المجتمع في إطار دولة مدنية تعزز وتظمن المصالح المشتركة لليمنيين جميعا ، ولا ننسى دور النخب السياسية الهزيل التي وقفت متفرجة أمام الدور الذي أوكل لرئيس الحكومة في توظيف الفساد وشل الإرادات وتدمير القدرات المواجهة للفساد ، فإذا أردنا أن نخرج من دوامة الاحتراب ، علينا أن نلتف حول المشروع الوطني الجامع الذي يوزع فائظ القوة السياسية بين اليمنيين عن طريق الديمقراطية وفائض القوة الاقتصادية عن طريق العدالة في توزيع الثروة .

تعليقات