القصيدة الوطن..
رغم احتجابِكِ يا قصيدةُ أرتـجي
أنْ تُشْرِقي، وإليكِ مِنِّي ألْتَجِي
أَنْـهَدُّ فيكِ لكي تكوني بُنْيَتي
ولَدَيكِ أنسى لهجتي كي تَلْهَجي
* * *
أبـْحرتُ مِن جَدَثي إليكِ لتُبْحِري
وسبقتُ ميعادي لكي تتبـرَّجي
كي تُبدعي منِّي سواي لأنَّني
-رغم اسـمي الحركي- “مُثَنَّى العَرْفَجي”(1)
ولذاك جئتُ إلى وضوحكِ بعدما
ميَّزتُ وجهَ حقيقتي مِن بُـهْرُجي
* * *
بستانُ وجهِكِ يا قصيدةُ دَلَّني
أتـمانعيـن الآن أن تتأرَّجي؟!
إنِّي اهتديتُ إلى خبائكِ فافتحي
لي مدخلاً، أو حاولي أن تَـخْرُجي
* * *
هُدِّي سياجَكِ فهو زيفُ توهُّمٍ
يأبى الجموحُ عليكِ أن تتسيَّجي
شَبَقُ الصِّبا يحمرُّ في شفتيكِ، في
ساقيك… يصهل كالحصانِ اليعوجي(2)
ما أورقتْ فيكِ الشراراتُ التي
لا تنطفي، إلا لكي تتأجَّجي
إنَّ الطفورَ خيارُ قلبِكِ قبل أن
تستجملي مسعاك، أو تستسمجي
تخشين مِن غَسَقِ الظروف؟! خرافة
ما احلولكتْ إلا لكي تتوهَّجي
قِممُ الهزائمِ بالظروف تحجَّجوا
أضعُفتِ بالعدوى لكي تتحجَّجي؟!
أنتِ الظروفُ جميعها، فـتَزَنَّري
بالأمسياتِ، وبالصباحِ تَدَمْلَجي(3)
كالصيفِ أذكي مقلتيكِ، وأمطري
كدجى الخريفِ، وكالربيعِ تَعَسْلَجي(4)
* * *
أيخيفُكِ التهريجُ؟! هذا قصدُهُ!
كي لا تخافي غرّدي أو هرّجي!
دُلّي عليكِ بنارِ قلبِكِ كلِّهِ
لن يسقطَ الإزعاجُ حتى تُزعِجي
لن تُحرِقي غسقاً إذا لم تَحرَقي
لن تُنضِجي طَبَقَاً، إذا لم تَنضُجي
* * *
أزعمتِ نومَ البوحِ فيكِ سياسةً؟!
إنَّ احتمالَ الصمتِ موتٌ سجسجي(5)!
ما أنتِ يا بنتَ الأزقَّةِ والرُّبى
كالعابثاتِ، ولا هواكِ بنفسجي
لا أنتِ عاشقةُ الهروبِ، ولا أنا،
بسوى التهرُّبِ والسكوتِ تأدلجي
* * *
أترينني في بابِ خِدْرِكِ باحثاً
عن موطني؟… أرجوك لا تتفرَّجي
قولي لـمعتسفي طريقِكِ: ها هنا
تصميمُ قافلتي، وهذا منهجي
* * *
تدرين مأساتي؟ نفاني مَن هجا
نَسَبي، ومَن نفخ الغرورَ المذحجي
مَن هجَّنوا نسبي لأنِّي حائكٌ
مثل الألـى سَخِروا، لأنِّي “عَرْبَـجي”
والآن، حُوكيني لأصبحَ حائكاً!
مَن سوف يغزلنـي إذا لم تَنْسُجي؟!
لم يبقَ غيرُكِ يا قصيدةُ موئلاً
وأخاف من أن تُنْجِدي أو تُخْلِجي(6)!!
أكتوبر 1983
(1) من الأسماء الشائعة في اليمن، وجاء هنا للدلالة على بساطة صاحبه.
(2) نسبة إلى حصان عربي قديم اسمه “يعوج”، اشتهر بفحولته وكثرة نسله.
(3) تزنَّري: اجعلي لك زنَّاراً، وهو خصلة شعر متدلية على جانب الرأس، وكان يهود اليمن ملزمين بها تمييزاً لهم عن غيرهم. وتدملجي: اجعلي لك “دُمْلُجاً” وهو من حلي النساء في بعض مناطق اليمن.
(4) تعسلجت الشجرة: طالت وتمايلت أغصانها.
(5) سجسج: معتدل، لا بارد ولا حار.
(6) تنجدي أو تُخلجي: تتوجهين صوب “نَجْد” أو “الخليج”.