لماذا تصر السعودية على تحويل الشرعية اليمنية إلى مشروع وهمي ؟
حرصت السعودية من أول يوم شنت الحرب على اليمن على تدمير مقومات الدولة اليمنية ، فسارعت إلى قصف المعسكرات وضربت البنية التحتية التي بنتها اليمن خلال الستين سنة الماضية بكل قسوة ودفعت بمعسكرات الجيش إلى أحضان الحوثي ، بعد أن قضت على أهم قياداته في قصفها لصالة العزاء في صنعاء وقتلت أكثر من أربعين قائدا عسكريا ، كانوا صمام أمان للجيش والحفاظ عليه ككتلة متماسكة .
وفي الناحية الأخرى ، كانت تبيع السلطة لقيادات الشرعية مقابل تسليم الأرض والقرار والتفريط بحقوق اليمنيين ، وهاهو المشهد واضح أمام أعيننا ، كيف تتمسك برئيس وزراء يشكو منه الشجر والحجر ، وكيف جردت الرئيس هادي من سلطته ونقلها إلى زعماء مليشيات بحجة أن هادي ضعيف وغير قادر على حسم المعركة مع الحوثيين ومع الفساد .
ولست بحاجة إلى تأكيد الدور السعودي في تقويض الدولة اليمنية ومعها الإمارات وبريطانيا وأمريكا والتواطؤ على الحقوق الوطنية للشعب اليمني في أرضه ، لكن ذلك لا يعفي سلطة الشرعية التي اشترت السلطة بالأرض من المسؤلية ، فالقاعدة تقول ، إن القانون لا يحمي المغفلين ، وسياسة المصالح لا ترحم المفرطين بوطنهم ، الذين يشترون السلطة مقابل أرضهم وحقوق شعوبهم .
والمشكلة لا تكمن عند السعودية ولا بقية دول الرباعية ، لكنها تكمن عند اليمنيين ، الذين أضاعوا بوصلة الطريق وصدقوا أن مجلس المليشيات الذي صنعته السعودية من خيوط مصالحها ، يمكنه أن يشكل دولة ، وهم يرون كل يوم وبأم أعينهم كيف تمزق هذه المليشيات المصنوعة سعوديا وإماراتيا الجغرافيا والمجتمع ، وكيف أضافت بؤسا إلى بؤس الذين يعانون من الاضطهاد العنصري والمناطقي .
هذه هي سياسة المملكة العربية السعودية في إدارة الصراع في اليمن ، فهي تدير الصراع وفق مصالحها ، وتعتقد أن تمزيق اليمن سيصب في مصلحتها ، تلك وجهة نظرها ، لكن المشكلة عند النخب السياسية في شمال الوطن وجنوبه ، في الداخل والخارج ، مازالت واقفة تتفرج على ما تقوم به السعودية والإمارات من احتلال للجزر وإغلاق لبعض المطارات وتمزيق للأحزاب السياسية ونهب للثروات الوطنية وإحداث الخراب والتفكيك المستمر ، وهذه النخب واقفة متفرجة ، بل وفي بعض الأحيان مستمتعة بتمزيق البلد .
فهل من الضروري تذكير هذه النخب بما أصاب اليمنيين من ضياع للحقوق الوطنية وتمزيق للنسيج الاجتماعي ؟ وهل من الضروري تذكير هذه النخب ، بأن الهروب من الداخل إلى الخارج لن ينفع إلا في زيادة يأس اليمنيين من نخبهم السياسية ، ثم من أحزابهم ؟ وهل أدركت هذه النخب أن الشرعية التي ترعاها السعودية ، أضحت مشروعا وهميا ، تستخدمها السعودية للهروب إلى الأمام ؟
ما أستطيع قوله ، إن العداء الذي كان يكنه اليمنيون لإيران ، قد بدأ يتحول نحو السعودية والإمارات ، كونهم يرون كل يوم مزيد من التواطؤ على حقوقهم في أرضهم ، ومع مرور الوقت ستتشكل قوة لمواجهتهما ، لأنهما تمنعان الشعب اليمني بالقوة تارة وبالحيلة أخرى عن مواجهة عدوهم الحقيقي ، وأصبحت الكراهية تتوسع كل يوم داخل الشعب اليمني الشريد المطارد في أرضه ورزقه ، وتشتد كراهيته حينما يرى السفير السعودي يرأس اجتماعا يناقش وضع البنك المركزي اليمني ، وهذا يؤكد أن السعودية لم تتعظ بما قام به بريمر في العراق وكيف انعكس ذلك على أمريكا ، فتصر على أن تهين اليمنيين بآل جابر .