كيف ستوفق السعودية بين رؤيتها 2030 وبين تدميرها للدولة اليمنية
كثير من المسارات لا تحكمها النهايات ، بل البدايات ، فقد يهيأ للبعض أنه انتصر ، وهو طبعا يقيس هذا النصر بالمقاييس المادية ، لكنه في الواقع يكون قد خسر ، وهذا ما هو واضح بالنسبة للمملكة العربية السعودية ، التي يحاول البعض تصويرها بأنها قد كسبت مستقبلها بتدميرها لبنية الدولة اليمنية وتقويض مؤسساتها .
من يتابع ما قامت به السعودية وما تقوم به في اليمن تحديدا وعلى المستوى الأخلاقي ، يجدها أنها بالإضافة إلى خسارتها في حربها على اليمن ماديا ، قد خسرت أيضا أخلاقيا ، لأن حربها لم تكن ، مثلما صرحت بأنها تستهدف منع إيران من التمدد في اليمن ومنع الانقلابيين من الاستحواذ على السلطة ، بل اتضح أن الهدف منها هو ضرب محاولة المشروع التحرري القائم على الديمقراطية والتعددية السياسية .
المشروع التحرري الديمقراطي في اليمن أثار حفيظة أنظمة الحكم في منطقة الخليج التي يحكمها النظام العائلي الممتد ، وخشيت من التعددية الحزبية الناشئة في الجوار ، حتى لا تؤثر على شعوبها ، فغلبت عليها الرغبة في تشجيع الفوضى أولا ، ثم الذهاب نحو الحرب ، كي ترسم لدى شعوبها مساوئ الحرية والديمقراطية وأنها لا تقود إلى الاستقرار ، كما هو حاصل في الأنظمة الملكية والسلطانية ، وهذا ما تفعله السعودية والإمارات في المناطق التي تزعم أنها حررتها من مليشيا الحوثي ، بخلقها لمليشيات متعددة متناقضة وتقديم مليشيا الحوثي بأنها مستقرة ، كونها تتبع عائلة .
ما ترتكبه السعودية من أخطاء متتالية في اليمن لن يؤدي إلى خسارة اليمن في المستقبل فحسب ، بل سيجعل السعودية تخسر حتى وجودها ، قد يكون ما تقوم به الإمارات مقبولا ، كونها دويلة صغيرة ولديها عقدة جعلتها تحاول التحول إلى دولة مركزية ، وهذا مستحيل طبعا وفق قاعدة النظم السياسية ، لكن الغريب في دور المملكة التي همشت حجمها الجغرافي والسكاني وذهبت إلى تقليد الإمارات في ممارساتها الصبيانية .
ولست بحاجة إلى التأكيد بأن سلوك المملكة العربية السعودية جعل الكثيرين يتربصون بها ، بما في ذلك الإمارات نفسها التي وجدت نفسها تقود السعودية حيث شاءت وكيفما شاءت وتتوغل في تفكيك أمنها واستقرارها ، وهي تراهن بأن المجتمع الداخلي والإقليمي والدولي لن يكون متحمسا لبقاء النظام في المملكة في لحظة ما ، حينها تعتقد الإمارات أنها ستكون الأجدر في وراثة السعودية والتحول إلى دولة مركزية بدلا عنها .
لا يكف النظام في الإمارات وأعوانه على تسويق فكرة ، أن النظام السعودي استبدادي ، فاسد ، وهو في نفس الوقت يجره إلى هذا المربع ، بجعله يقود حربا على الأقرباء ورجال الدين ورجال الأعمال وحرب على اليمن لم تفض إلى تحريرها من المليشيات ، بقدر ما أضافت لها مليشيات أخرى ، وضرب آخر قلاع المقاومة في المنطقة ليسهل بعد ذلك تفكيك المنطقة وإعادة تركيبها بما يتناسب مع الكيان الصهيوني الذي أصبحت الإمارات الوكيل الحصري له في المنطقة .
إن المسار الذي اتخذته المملكة في اليمن تحديدا لا يؤدي إلى الوصول إلى الرؤية 2030 ، بل يؤدي إلى السقوط والخروج من التاريخ ، ولكي تذهب المملكة نحو المستقبل ، فهي بحاجة إلى صفر مشاكل كما اقترح عليها الصينيون ، لكن صفر مشاكل بدون استعادة الدولة في اليمن ، سيكون ضربا من السذاجة ، يجب أن تقدم السعودية على فعل ماهو ضروري لتحقيق رغبتها في الاستقرار الاقتصادي ، وتجاوز سياسة الإهمال التي وضعت ملفا بحجم الملف اليمني بيد محمد آل جابر !.