نحن والحمير والمنعطف الخطير
هذا عنوان لكتاب، ألفه الأديب اليمني المتميز محمد مصطفى العمراني، حاول أن يستعيد من خلاله مرحلة طفولته وعلاقته بالحمير، وهي علاقة لاشك مر ويمر بها كل مواطن عربي، شرح من خلالها كيف كان أهل قريته يعانون في جلب الماء على ظهور الحمير من عين الماء التي يسلكون إليها منعطفات خطيرة تشرف على واد سحيق، لطالما سقط العديد منهم وخاصة الأطفال، مما دفع بأهل القرية إلى عقد اجتماع لمناقشة كيفية الحد من مخاطر ذلك المنعطف، مما أثار فضول الكاتب بوصفه واحدا من أولئك الأطفال الذين تعرضوا أكثر من مرة للانزلاق، فسألهم، لماذا لا تسلكون طريقا آخر آمن، فأجابه أهل القرية، نحن نمشي وراء الحمير، وهي من تسلك بنا ذلك الطريق.
الحمار حيوان ذكي، يفكر جيدا قبل أن يتخذ القرار، ولا يضع قدمه في الطريق إذا لم يكن مطمئنا لسلامة ذلك، والأهم من ذلك أنه صبور، لكنه يبالغ في ممارسة الصبر إلى حد الموت ، كما حصل مع حمار الفيلسوف الفرنسي جان بوريدان ، الذي وضعه بين الماء والشعير وعلى المسافة ذاتها ، فجلس يعيش صراع الأولوية ، بأيهما يبدأ ، بالماء أم بالأكل ، ولم يستطع اتخاذ القرار ، حتى مات .
في الحقيقة ، الحمار كالطفل ، يحب اللعب واللهو ، يحاول دائما اكتشاف الجديد ، وهو مخلص جدا إلى درجة أن إخلاصه يجعله يتمسك بإخلاصه إلى حد العناد ، وهو لا يخلص إلا بعد أن يشعر بالثقة ، يفكر جيدا قبل أن يقدم على اتخاذ القرار .
لكل واحد منا قصته مع الحمير ، لا أحد يستطيع أن يدفع الحمار لأداء أي عمل مهما استخدم من قوة ، وهو دوما لا يقترب من مواقع الخطر ، لهذا كان أهل قرية محمد مصطفى يثقون بحميرهم فتركوا لهم تحديد الطريق التي يسلكونها إلى عين الماء والعودة ، لأنه لا يوجد حمار يدفع بنفسه إلى التهلكة ، مهما بلغت وحشية من يدفعه إلى عمل فيه خطر .
ولا يمكن أن أنسى مشاهد الحمير حينما كانت تقترب من مشارف قريتنا وهي تحمل فوق ظهورها الحلوى أو فاكهة الموز والبلح الذي يأتي من مناطق بعيدة ، نتسابق نحوها ، علنا نظفر بشراء أرطال من الحلاوة أو الموز ، ولم تكن فرحتنا أكثر من فرحة الحمير نفسها ، التي تستقبل القرية بالنهيق وكأنها تريد إطرابنا .
كنا نتنقل على ظهور الحمير بين قريتنا والقرى المجاورة ، وأجمل أيامنا هو يوم الخميس ، حيث نمتطي الحمير ونخوض السباق ونحن في طريقنا إلى سوق الخميس الذي يقع على امتداد سائلة كبيرة تمر السيول المتساقطة من الجبال المحيطة خلالها ، كنا نسابق بها الريح ، وأكثر من كان يعاني من ذلك ، الجمال التي كانت تربط إلى مؤخرة الحمير ، فتجبرها على الجري وتجبرها على طأطأة رؤوسها وكسر أنفتها وشموخها .
يسجل التاريخ ، بأن للحمير فضل في دخول الجيش البريطاني إلى أفغانستان في القرن التاسع عشر وعبورهم للجبال الوعرة ، ولولا فضل الحمير اليمنية لما استطاع السعوديون والإماراتيون دخول اليمن والاستمرار فيه ، كانت حمير أهل قرية محمد مصطفى تقودهم إلى منابع الماء ، بينما حمير الحكومة اليمنية ومجلس القيادة تقود إلى تدمير التنمية وتعطيل الحياة .