صابر الحيدري: الطيبون تقتلهم العقول والأيادي الباغية
صدر في اليمن كتاب “صابر الحيدري شهيدا للحقيقة”.. هنا مساهمتي في الكتاب الذي يليق بهذا الشاب اليمني الخلوق والمحب
كانت الرحلة بين مطار باريس ومطار صنعاء تستغرق حوالي سبع ساعات تبدو بالنسبة للمسافر أطول من ذلك بكثير، حتى إذا ما هبطت الطائرة على الأرض تشعر وكأن الحياة الطبيعية قد عادت إليك وكان الشخص الأول الذي تلتقي به هو الأحب لقلبك.
كان صابر الحيدري موظفا في وزارة الإعلام، وشاءت الصدف كما شاء الحظ أن يكون الوجه الأول الذي أراه على أرض المطار في كل مرة أزور فيها العاصمة اليمنية، كان مرافقي الودود الوجه الأول الذي تنبعث منه ملامح الطاقة الإيجابية، حب الضيافة ومشاعر الاستقبال الصادقة وغير الوظيفية الباردة.
كان لا بد ان تفوز بثقة صابر الحيدري، وأن يثق بك حتى تستوي العلاقة بين يمني يحب بلده وضيف يحب اليمن. الإعلام مهمة صعبة وحاسمة في نقل صورة اليمن إلى الخارج لذا كان ينبغي أن يكون الحيدري واثقا من أنك لا تريد شرا ببلده، ومن أنك أمين على ما يقوله لك، فلا يحرف ولا يستخدم للطعن ولا يخالطه ضرر، بعد ذلك يروي لك ما يتيح تفسير ظواهر ومواقف وأحداث قد تحتاج إلى سنين طويلة حتى ترى أو تدرك معانيها.
لكل سؤال جواب لدى صابر الحيدري، يجيبك بما يعرف ويشير إليك بمرجع إن كان لا يعرف. يدرك رغم حداثة سنه تعقيدات المجتمع اليمني وخصائصه، وتدفعه حشريته إلى معرفة ما يدور في البلد الذي تأتي منه.
كان صابر الحيدري رفيقي في صنعاء ولم يكن مرافقي، تعرفت من خلاله على أجمل مقطوعات الغناء اليمني، وتعرفت من خلاله الى مكونات المطعم اليمني، وزودني من خلال أسرته بطريقة تحضير “بنت الصحن” وأطباق يمنية أخرى، وكان يسألني عن السبب الذي يحول دون انتشار هذا الطبق في العالم العربي، ويمكنني القول أنه كان يطمح أن يعرف العالم كل شيء جميل عن اليمن. كان الحيدري عاشقا لبلاده وحريصا على حسن سمعتها وانتشار تأثيرها في دنيا العرب والعالم.
كان صابر الى جانب نزار ووليد (قبيلتي الصغيرة في اليمن)، وكنت قد صممت على أن يكون الجزء الثاني من كتابي الجديد عن التاريخ السياسي لليمن مهدى إلى هؤلاء الرفاق الثلاثة. لقد صعقني خبر اغتيال الحيدري. من يجرؤ على اغتيال شاب صوفي السلوك قلبه عامر بالمحبة لوطنه؟!، الطيبون تقتلهم الأيادي والعقول الباغية في شريعة الغاب. ألف رحمة على روح الحيدري والصبر والسلوان لأسرته ومحبيه.
* باحث في أكاديمية باريس للجيوبوليتيك.