إلى من غادروا أوطانهم
إلى من غادروا أوطانهم بحثاً عن البقاء وسعياً نحو عيشٍ أفضل وضاعوا في تفاصيل الأيام ليعودوا مُثقلِين بغُربة الوطن والمنفى.
________
وعادَ من غُربةِ الدنيا إلى المنفى
والحُزنُ يُظهرُ في عينيهِ ما أخفى
وفي يديهِ إعوجاجُ الحالِ لا جهةٌ
رأتْهُ إلا ودقَّتْ للأسى كفَّا
وكم سؤالٍ تحاشا أن يُقابلَهُ
كي لا يُشاهدَ فيهِ العجزَ والضَّعفا
ماذا أصابكَ يا نجلَ الكفاحِ وهل
كنتَ الذي غابَ أم كنتَ الذي ألفَى
عِقدانِ مرَّا وأنتَ العُمرُ في دمِيَ
الغافي كطفلٍ على ألعابِهِ أغفى
سألتُ عنكَ بلادي، كم سألتُ وكم
جلستُ وحدي على الأمواجِ لا المَرفا
وكم تمنَّيتُ أن ألقاكَ مُحتشِداً
بالماءِ بالعطرِ، هل أحسَستَ بي “تَكفَى”
فيما وأنتَ بقلبي تستريحُ لقد
كنتُ الذي أغتلي في جُثّتي نزفا
وكنتُ أرسمُ يومياً يديكَ على
أصابعي كي أُسلِّي وحشَتي الّلَهفَى
لِمَ انكسرتَ بِبُطءٍ واحتملتَ لِمَ
استقبلتَ غيرَكَ بالوجهِ الذي أخفى ؟!
لِمَ اعتمدتَ على الدُنيا ؟ وزِينتُها
لا تَستقيمُ لِمن لا يُحسنُ الخطفا
لِمَ انتظرتَ وقوفَ الأبجديةِ في
صدري تُعاني وما أهديتَها حرفا ؟
(مِن أجلِ ذلكَ) واحتاجَ الجريحُ إلى
بعضِ الأدلّةِ كي يُشفَى ، وهل يُشفَى ؟
على الغريبِ دُيونٌ جمّةٌ فمتى
تُقضى ؟ ومعظمُها مِن غُربةِ المنفَى
لأنَّ ذاكرةَ النسيانِ فيكَ طغتْ
أُصِبتَ بالعُسرِ يومَ الناقةِ العجفَا
لو أنَّ لي فرحةً أُخرى لجئتُ بها
إليكَ لكنَّ بئرَ المُشتَهَى جَفَّا
جفَّتْ رؤوسُ المُنى إلا منَ القلقِ
المزروعِ في جوفِ مَن لم يُغمِضوا طرفا
يُعاتبُ الريحَ من نادى وما التَفتَتْ
لهُ القلوبُ التي في أُفقِها رَفَّا
مدارُكَ الآنَ مخذولٌ بأجوبةٍ
شتَّى وقد خذَلَتْنِي يا أخي وصفا
أُكرِّرُ الآنَ أخطائي ويؤلِمُني
أنّي الذي طلبَ التعليقَ والحذفا
إذ ليسَ لي صِلةٌ بالإحتمالِ فقد
أوقفتُ شَكِّي على أبوابِهِ صفَّا
وما تَوقَّعتُ إلا أنا نكونَ معاً
نطوفُ بالكدِّ حولَ الفِكرةِ الأصفى
يا ابنَ المساكينِ نابُ الفقدِ يزحفُ في
دُنيا المساكينِ حتّى أصبحوا عصفَا
والمستعدّونَ للموتِ البطيءِ على
العكاكيزِ هبَّوا إلى أنصارِهِ زُلفى
تقاسموا كِسرةَ اللاشيءِ واقتنعوا
أن لا يَنالوا بهِ رُبعاً ولا نِصفا
بخَيبَتَينِ ارتدوا أوطانَهم ومضوا
نحوَ البعيدِ فكانَ الأقربَ المنفى
أعماقُنا مُثقلاتٌ بالحنينِ إلى
شيءٍ مِن الأمسِ لم يُرغِمْ لنا أنفا
____
ياسين محمد البكالي
٩/٦/٢٠٢٣م