منبر حر لكل اليمنيين

لماذا نرمي الحصى في البحر..؟؟

28

في أول زيارة لي إلى البحر_ منتصف العام 1996، نزلت من السيارة التي أقلتنا من تعز إلى عدن، نزلت على شاطئ ساحل أبين. كان الوقت قبيل المغرب. أنفردت بنفسي ومشيت قليلا وبدون إدراك كنت ألتقط حصاة وأرميها في الماء. لم أكن قلقا. ولا أفكر بأن رحلتنا ستمتد إلى محافظة المهرة عبر البر.

توقفنا أيضا بالمكلا في حصرموت على الشاطئ لدقائق بعد رحلة سير امتدت لساعات، كررت نفس السلوك كنت أخذ حصاة وأرميها بالبحر لا أعرف لماذا. وفجأة شعرت بالرغبة في الركض وركضت حافيا ولم أهتم لتحذيرات من كانوا معي، ركضت بضع دقائق وكان الوقت مع طلوع الفجر.

فجأة شعرت بوخزة في قدمي، توقفت لألتقط حصاة كي أرميها بالبحر، لمحت أن لونا أحمرا يتوسط أصابع قدمي، انخينيت لأعرف ماذا يكون. دم حار ينزف من قرب أصابع القدم اليسرى. جرح صغير جدا إلا أن حرارة الجو ساعدت على نزيف الدم أكثر. تحركت نحو الماء وغسلت مكان الجرح وضغطته حتى توقف النزيف.

تناولنا وجبة الافطار واستمرت الرحلة، ومع غروب شمس اليوم الثاني كان سائق السيارة قد أجتاز الطريق التي تمر عبر سلسلة جبل الفرتك. في صباح اليوم التالي تسللت خفية وقطعت مسافة حوالي ثلاثة كيلو مترات حتى وصلت الساحل، وبشقاوة ريفي لا يعرف البحر بدأت بالركض على الشاطئ، ولم أعير اللوحة التحذيرية من الاقتراب من الشاطئ نظرا لانتشار ثعابين سامة.

بالقرب من الشاطئ يوجد ما يشبه مسكن من الخشب، كنت أمارس شغفي بالركض ورمي الحصى في البحر. لا شيء غير الصمت وهدير الأمواج.. تنامى إلى سمعي صوت إنسان يشوبه الهلع وبكلمات مهرية لم أفهمها. إلتفت ورائي فإذا برجل يسحبني من كتفي ويبدو عليه الهلع.

حاولت الهرب، ركض مسرعا خلفي وأمسكني، نظر في وجهي وسألني بكلمات عربية، هل تقرأ؟ أجبته نعم. هزني من كتفي قائلا: ماذا مكتوب على اللوحة؟ أجبته ممنوع الاقتراب من الشاطئ نظرا لانتشار ثعابين سامة.

سادت لحظات صمت وأنا أسير إلى جواره مبتعدا عن الشاطئ، أعتذر بلطف على صراخه في وجهي، سألني كيف جئت إلى هنا.. أخبرته أني تركت أخي وأخرين نائمين وجئت، ترجاني أن أعود مسرعا.. كنت مصرا على البقاء جوار البحر، كرر ترجيه ورافقني حتى كنا على مقربة من حيث يسكن أخي وزملائه، وبعد أن اطمئن عليا ودعني محذرا ألا أعود حتى لا يلدغني ثعبان فأموت من سميته.

بقيت في المهرة شهرين ونصف تماما، أعمل منذ الساعة السادسة صباحا إلى الخامسة مساءا في حفر أساسات لمباني أو أحمل الطوب وأصعد درج مباني أخرى حتى كنت أشعر بتحطم قفصي الصدري، ولكني أستمر في مواصلة خطواتي، لأحظى برحلة نحو شاطئ آمن من الثعابين، ويكون بمقدوري رمي الحصى في البحر…

ودعت المهرة عائدا نحو قريتي الريفية وأكملت عاميين دراسيين لأحصل على الشهادة الثانوية، وبدأت الاستعداد للالتحاق بالجامعة..لم أكن أشاهد أفلام ولا مسلسلات نظرا لغياب التلفاز بالريف.. ومع رحلتي لاحقا في أصقاع مدن كثيرة، شاهدت أفلاما ومسلسلات، ومع كل مشهد تجري أحداثه على شاطئ كنت أكتشف أني لست وحدي من يرمي الحصى في البحر بل كثير ممن يزورونه..

سؤال لم أجد له إجابة حتى الأن.. لماذا نرمي الحصى في البحر..؟؟..

تعليقات