منبر حر لكل اليمنيين

من المتورط الرئيس في هجوم دار الرئاسة؟

72

في الثالث من يونيو عام 2011، كان القتلة على موعد مع القيام بجريمة تتعدى كل أخلاقيات البشر المتعارف عليها حتى عند أكثر الجماعات وحشية وهمجية. والقتلة هؤلاء كانوا مجموعة من المأزومين دينيا وسياسيا واجتماعيا استطاعوا في فرصة واتتهم أن يتصدروا مشهدا هزيلا ويصبحوا هم أبطاله.
حشدوا إلى الساحات قطعانا بعد أن أسكروهم بمجموعة شعارات استعاروها من ربيعهم المزعوم فكانت خريفا قاحلا تساقطت فيه كل الأوراق وتجردت فيه الوجوه من أقنعتها لتبدو في حقيقتها الكالحة. وكما وصف أحد الشعراء، كانت ثورتهم تلك ضوءا واعدا بالحالكين.
كان المكان بيتا من بيوت الله في عاصمة اليمنيين، وأما الزمان فكان أول جمعة من شهر رجب الحرام، لكنه ليس كذلك عند خصوم الزعيم، فهؤلاء لا حرمة لشيء عندهم. وكل غايتهم هي الوصول إلى الكرسي، مهما كانت الوسيلة.
اختار القتلة ذلك التوقيت لتنفيذ جريمتهم الارهابية، لا لشيء إلا ليقولوا لليمنيين: نحن أقبح مما تظنون، مع أن الشعب كان يعرفهم تماما. كانت التوجيهات قد صدرت من سفراء عدة، بينهم الأمريكي والتركي والإيراني والقطري، وآخرين لا نعلمهم.
كان زعيم الدولة يظن أن أمامه خصوما حقيقيين يمارسون السياسة لا العهر، فأفرغ لهم الساحات ومنحهم حرية التعبير عن آرائهم وثورتهم، مؤليا على نفسه تتويج مشوار طويل بدأه منذ أكثر من ثلاثة عقود لإرساء الديمقراطية والتعددية، وإذا بهم مجموعة من القتلة المجرمين اجتمعوا بكل لحاهم وبياداتهم لتخريب دولة واغتيال وطن.
كان يظن أنه مثلما ترك لهم جمعاتهم وميادينهم وساحاتهم، ولم يستخدم معهم أي شكل من أشكال القوة التي كان يتمتع بها بصفته رئيسا للدولة، سيحفظون له هذا التعامل الراقي الأصيل، وإذا بهم لا يراعون ذلك ولا غيره.
كان يظن أنها جمعة رجب الأولى التي دخل فيها اليمنيون الإسلام، وأنها سوف تشكل فرصة أمام الجميع للوقوف عندها ومراجعة كل منهم موقفه أمام ربه، وإذا بهم يخرجون من الإسلام بنفس ذكرى تلك الجمعة من رجب الحرام. فالجمعة التي دخل فيها اليمنيون الإسلام كانت نفسها التي خرج فيها الحوثيون منه. هؤلاء هم القتلة وهؤلاء هم المجرمون.

دعوة للكف عن المعارك الجانبية
بالمناسبة وبعد مرور 12 عاما على الجريمة الإرهابية وجه العميد الركن طارق محمد عبدالله صالح، عضو مجلس القيادة الرئاسي دعوة إلى مرتكبي الجريمة لإدانتها، والكف عن معارك الأوهام، وحشد الجهود لاستعادة الدولة، والتخلي عن أي خطابات أو معارك جانبية ما لم يكن هدفها استعادة اليمن وعاصمته المسلوبة (صنعاء).
وقال العميد طارق في تغريدة على حسابه في تويتر: “في ذكرى تفجير جامع دار الرئاسة، نذكّر مرتكبيها بسوء فعلهم الذي أسقط الدولة والثورة في لحظة واحدة، وأوصل الجميع إلى ما هم عليه الآن من ضعف وشتات، يتبادلون الإدانات تعبيرًا عن القصور والعجز؛ فيما الحوثي وحده كسب- ولا يزال- جراء ذلك”.
العكيمي يتهم السعودية
وفيما اتهم يحيى محمد عبدالله صالح شقيق نجل الرئيس صالح، علي محسن الأحمر وأولاد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر بالوقف وراء جريمة دار الرئاسة ومحاولة اغتيال الرئيس الشهيد علي عبدالله صالح، قال الشيخ عبدالله العكيمي إن السعودية تقف وراء المخطط.
وقال العكيمي أمس إنه كان لدى صالح معلومات تؤكد أن السعودية وراء استهدافه.
في المقابل قال يحيى صالح في تغريدة على تويتر أمس: “لقد أثبتت الأحداث أن الجماعات والتيارات الدينية أبعد ما تكون عن الدين والاخلاق والقيم التي تدعيها و أن القتل والتدمير وإشاعة الفوضى والكراهية بين الناس يعتبر أهم انجازتها فبدلا من إنشاء صروح التعليم يتم تشييد المقابر في كل أرجاء الوطن”.
تفاصيل الهجوم
وكان الشيخ الراحل ياسر العواضي كشف عن تفاصيل مثيرة حول حادثة مسجد دار الرئاسة.
وقال عضو المكتب السياسي لحزب المؤتمر الشعبي العام ونائب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب ياسر العواضي إنه كان ينوي أداء صلاة الجمعة في المسجد المجاور لمنزله، وإن آخرين أقنعوه بالذهاب إلى دار الرئاسة لإقناع الرئيس صالح بقبول توقيع الشيخ حمير الأحمر بدلا عن شقيقه المعارض البارز حميد، وذلك من أجل وقف المواجهات العسكرية بين قوات صالح ومسلحي زعيم قبيلة حاشد.

وأوضح العواضي: أنه كان قد نصح صالح قبل أسبوعين من تلك الحادثة بعدم الذهاب إلى ميدان السبعين كعادته كل جمعة لحضور تظاهرات المؤيدين، وذلك لوجود شكوك في أن منصة ميدان السبعين قد تُستهدف بأي صاروخ أو قذيفة من أي منطقة أو عمارة مجاورة.
ولفت إلى أنه عند دخوله جامع دار الرئاسة جلس في البداية في الصف السادس وبعيداً عن الرئيس صالح، غير أنه عند بداية الخطبة الثانية أشار عليه آخرون بالتقدم ليصبح في الصف الأول مع صالح، ولا يفصله عنه سوى رئيس مجلس الشورى عبدالعزيزعبدالغني، ورئيس مجلس النواب يحيى الراعي وبجانبه من اليسار سكرتير الرئيس الصحافي عبده بورجي، في حين كان يجلس على يمين صالح رئيس الوزراء علي مجور ونائب رئيس الوزراء للشؤون الداخلية صادق أمين أبوراس ومحافظ صنعاء نعمان دويد.
وأشار إلى أن الانفجار الأول وقع عقب أن كبَّر إمام صلاة الجمعة للركعة الأولى، مضيفاً: سمعت أولا صوتاً يشبه صوت اصطدام حديد بحديد، ثم صوتاً لا يصدر إلا عن انفجار، وشعرت ببعض أعضاء جسمي تتحرك، فحاولت أن أقف ولم أكن أعرف أن رجلي اليمنى قد انكسرت، ثم شاهدت دخانا أسود ونارا ملتهبة فوق رأسي بارتفاع مترين تقريباً على شكل دائرة، وفي الوسط كان لونه أقرب إلى الأزرق، ولم أفقد وعيي، فأمسكت بأحد الأخشاب المتناثرة وتبعت ضوءا قادما من باب المسجد، فكنت أول من يخرج من المسجد، وجلست على رصيف قرب الباب وسمعت صوت انفجار ثانٍ من الجهة الجنوبية للمسجد.
وسرد عملية توالي خروج المسؤولين من تحت الأنقاض، فقال: بعد خروجي كنت أنادي بأعلى صوتي لمن يأتي يسعفنا ولكن لا يوجد أحد لحظتها، ثم خرج بعدي بقليل رئيس مجلس الشورى الراحل الأستاذ عبدالعزيز عبدالغني، وبدا جسمه محترقاً بالكامل، جلس إلى جواري ننتظر ما تفعله بنا الأقدار، ودخل بعدها الأستاذ عبدالعزيز في حالة من اللاوعي، لكنه كان جالساً جلسته المعتادة، دون أن يصدر منه أي صوت، وكأنه في أحد اجتماعاته التي يجلس فيها بشكل مؤدب ومحترم وبدلته الأنيقة ممزقة، أما أنا فقد كنت أتألم ألماً شديداً من كسوري وجراحي، ورأيت العظم المكسور في رجلي قد مزق الجلد وخرج منه، وتلمسته بيدي التي كانت تمر في فراغ بين العظام، ومن شدة الألم اعتقدت أن الخلاص في تلك اللحظة هو قطعها.

وفي تلك الأثناء وأنا أكابد آلامي وجراجي خرج رئيس الوزراء الدكتور علي مجور وكان هو الشخص الثالث الذي خرج من المسجد، ومنظر جسمه متُفحم تماماً وملابسه قد تمزقت وكان ذلك حال ملابس الجميع، وكأن هناك مقصاً قد قام بقصها بإحكام من أماكن الخياط، والغريب أنها لم تكن محترقة في حين لم تسلم الأجساد من الحريق، وبعده مباشرة رأيت نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن اللواء الدكتور رشاد العليمي خرج يزحف على ظهره نتيجة الكسور في أطرافه، ثم كان الرئيس السابق علي عبدالله صالح خامس شخص يخرج من المسجد محمولاً على أيدي أربعة أشخاص من قوة التدخل السريع، ومعه رئيس الحرس الخاص العميد طارق محمد عبدالله صالح ابن شقيق صالح.
وتابع العواضي: كنا نحن حينها نظن أن الهجوم علينا تم بصاروخ، وسمعت الرئيس السابق علي عبدالله صالح يقول لابن شقيقه قائد الحرس الخاص :” أسعفوا الناس يا طارق ولا تردوا على الهجوم، أبلغ القوات أن لا تضرب ولا ترد بأي شيء. أنا بخير. أنا بخير”.
شكوك
وعن الشيء الذي لفت انتباهه في المسجد قبل الحادثة ولا يزال يثير شكوكه وتساؤلاته قال: كان لافتاً للنظر أن إمام المسجد الذي هو المؤذن وسنه صغيرة ولا يتجاوز الثلاثين من عمره نهض من مكانه استعداداً لإقامة الصلاة، فيما كان الخطيب لا يزال على المنبر ولم ينهِ خطبته بالدعاء بعد، وهذا ليس ما تعودنا عليه، فالمؤذن لا ينهض للإقامة إلا بعد أن ينهي الخطيب الخطبة تماماً.
ويشار إلى أن المؤذن واسمه محمد الغادر قد اختفى عقب الحادثة ووضع اسمه ضمن لائحة المتهمين، وفقاً لما أعلنته الشعبة الجزائية المتخصصة بصنعاء.

تعليقات