منبر حر لكل اليمنيين

ذاكرة

51

نَسِيتُ وَرَاءَ النَّهْرِ مَائِي وَزَادِيَا
وَلَم أَنسَ مَنْ أُلقِي عَلَيهِ اعتِمَادِيَا

وَوَاصَلتُ أَسفَارِي بَعِيدًا، وَلَمْ أَعُدْ
أَرَى فِي جِهَاتِ الكَونِ إِلاَّ بُعَادِيَا

تَذَكَّرتُ تَارِيخًا مِنَ السِّلمِ، يَحتَفِي
بِأَعرَاسِ أَروَاحٍ، لَهَا كُنتُ حَادِيَا

وَفَجرًا حَمِيمًا، كَانَ أَحنَى بِخَافِقِي
مِنَ الأُمِّ.. لَمْ يَجرَح مَدَاهُ اعتِقَادِيَا

وَخَارِطَةً لِلعِطرِ، كَانَتْ تُطِيلُ فِي
حَيَاتِي.. أَشُمُّ الآنَ فِيهَا رَمَادِيَا

تَذَكَّرتُ سَقفًا لِلمَسَرَّاتِ عَالِيًا
وَحَقلَ ضِيَاءٍ، صَارَ يُدعَى سَوَادِيَا

وَمُطلَقَ عِشقٍ لَمْ يُخَاصِمْ عَوَاطِفِي
وَلَمْ يُخفِ يَومًا عَنْ عُيُونِي سُعَادِيَا

وَمَقهَى غِنَاءٍ.. كُلُّ عَشَّاقِهِ ارتَوَوا
وَمِنْ عَذبِهِ لا يَرجِعُ العِشقُ صَادِيَا

وَشَاهِقَ حُلمٍ مُذهِلٍ، غَيرَ مُذعِرٍ
كَأَنَّكَ مِنْ عَينَيهِ زُرتَ (الرَّيَادِيَا)

هُنَاكَ تَمَامًا، كَانَ لِي حَقلُ حِكمَةٍ
سَمَاوِيَّةٍ.. حَقَّقتُ فِيهَا مُرَادِيَا

بِأَنفَاسِهَا أَشدُو هَوًى لِليَقِينِ.. لا
يضِلُّ وَيَشقَى مَنْ بِهِ كَانَ شَادِيَا

هُنَاكَ ارتَجَلتُ الاكتِمَالاتِ كُلَّهَا
قَصَائِدَ خُلدٍ لَيسَ يَخشَى نَفَادِيَا

هُنَاكَ وَرَاءَ الغَيمِ، حَلَّقتُ، مُدرِكًا
أُحَادِيَّةً فِي الغَيبِ، تُبدِي أُحَادِيَا

نَسِيتُ.. تَذَكَّرتُ.. الحِكَايَاتُ حُمِّلَتْ
سَنَابِلَ أَيَّامِي.. أَطَالَتْ حَصَادِيَا

تَذَكَّرتُ نِسيَانِي حَنِينِي لِفِكرَةٍ
تُعِيدُ إِلَى وَعيِ الصَّحَارَى جَوَادِيَا

وَأَهلِي يَخِيطُونَ القُرَى مِنْ جِبَالِهَا
وَقَدْ مَزَّقَتهَا الحَربُ سَهلاً وَوَادِيَا

وَصَحبِيْ وَهُمْ يَرعَونَ أَغنَامَ صَبرِهِمْ
وَيَبكونَ -حَولِي- عُزلَتِي وَانفِرَادِيَا

وَيَقتَسِمُونَ الخُبزَ وَالمِلحَ بَينَهُمْ
عَلَى فَاقَةٍ.. لا يَملِكُونَ الزَّبَادِيَا

تَذَكَّرتُ مَنْ ثَارُوا عِنَادًا وَبَطرَةً
وَحَسَبِي بِأَنِّي لَمْ أُجَنِّد عِنَادِيَا

فَمَنْ سَادَ دُنيَاهُ هَوَى غَيرِهِ، غَدَا
ضَحِيَّةَ أَهوَاءٍ، لِمَنْ بَاتَ سَادِيَا

وَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِي نَفسِهِ ذَا إِرَادَةٍ
سَيُصبِح لِلمَجهُولِ عَبدًا إِرَادِيَا

لأَنَّ نِدَاءَ الجَهلِ فِي كُلِّ غَايَةٍ
يَخُونُ المُنَادَى لَوْ أَجَابَ المُنَادِيَا

فَكَمْ ثَورَةٍ لا تَعتَرِيهَا إِثَارَةٌ!
يُصَادَقُ فِيهَا مَنْ سَيَغدُو مُعَادِيَا

وَكَم مَشهَدٍ مَا عَادَ يَعنِيهِ غَاصِبٌ!
وَكَمْ غَاصِبٍ يَعنِيهِ: كُونُوا عِبَادِيَا

خُذُوا حِذرَكُمْ، قَالَ ابنُ آوَى، فَصَفَّقُوا
لَهُ.. وَيَدِي كَانَتْ تُنَاجِي ضِمَادِيَا

لَقَدْ عَشَّشَ المَاضِي وَأَرخَى سُدُولَهُ
وَبَايَعتُ فِي لَيلِ المَنَافِي سُهَادِيَا

تَذَكَّرتُ يَا أُمِّي -بِلادِي- وَيَا أَبِيْ
جَحِيمًا عَلَى الدُّنيَا أَحَالُوا بِلادِيَا

تَذَكَّرتُ.. حَتَّى مِتُّ قَهرًا.. وَلَمْ أَعُد
أُصَدِّقُ مَوتِي بِاسمِهَا أَوْ حِدَادِيَا

تَعَوَّدتُ هَذَا المَوتَ شَعبًا وَمَوطِنًا
وَفِي كُلِّ حَالٍ أَصبَحَ المَوتُ عَادِيَا

تعليقات