في ذكرى الوحدة ..كيف يتذكر المواطنين في مناطق الحوثي الزعيم صالح ؟
تمر ذكرى إعادة تحقيق الوحدة كل عام على اليمنيين، مرتبطة على الدوام باسم الزعيم علي عبد الله صالح. يستعيد اليمنيون ذكرياتهم الفرائحية بهذه المناسبة، عندما كان لديهم دولة وكيان واسم ومعنى.
يتذكرون ابن الشعب وابن الأمة علي عبد الله صالح يطل عليهم بخطاب جمهوري وحدوي وطني يتشوقون إليه، متحدثا بلغة جامعة لا تعرف مناطقية ولا جهوية. كان للخطابات معناها وهي تتحدث عن حقيقة الوحدة وعن حقيقة اليمن الواحد الموحد. ومع كل ذكرى يزيد ألمهم وابتعادهم عن حلمهم الذي تركه لهم الزعيم الخالد. أما لسان حال المواطنين فهو أن حقيقة التاريخ والجغرافيا تؤكد أن الوحدة كانت هي المنجز الأعظم لليمنيين بقيادة رحل واحد وزعيم واحد هو علي عبد الله صالح.
ذكرى الوحدة أصبحت تذكر المواطنين في مناطق مليشيا الحوثي بوجع على رحيل الرئيس صالح، وتذكرهم بأهميته واستثنائيته كقائد وزعيم فذ وبأنه كان رجل المرحلة فعلا والجدير بأن يعيد لليمنيين اعتبارهم ولليمن جغرافيتها وتاريخها السبئي الحميري العريق، وأن من جاء بعده لم يكن غير جدير فحسب، بل ويمثلون وصمة عار لن تمحي.
الوحدة بالنسبة للحوثي
“الحوثي لا يعنيه لا يمن ولا وحدة. هو مستعد إذا لزم الأمر أن يحكم حتى صعدة وحدها”، يقول أحد المواطنين في العاصمة صنعاء لموقع “الزعيم نيوز” إن الاحتفاء بذكرى عيد الوحدة سيظل هو الشيء الجامع لليمنيين في ظل ما يشهده وطنهم على يد مليشيا الحوثي الإرهابية وغيرها من تجار الحروب.
المواطن الخمسيني، بائع القات في سوق النصر بالعاصمة صنعاء، والذي فضل أن يترك اسمه جانبا ويتحدث باعتباره يمنيا لا أكثر، يعود بذاكرته ثلاثة وثلاثين عاما إلى الوراء، قائلا: كنت في همدان موطن رأسي، وما أزال أتذكر ذلك اليوم جيدا عندما ذهب بي أبي أنا وأخواي اللذان يكبرانني إلى دكان القرية. لم نكن وحدنا الذاهبين إلى الدكان القابع في أعلى القرية كأنه يحرسها، والأصوات ترتفع من هنا وهناك كأننا ذاهبون إلى مصلى العيد. مازلت أتذكر حتى ملامح صاحب الدكان كيف كان وجهه مبتهجا في ذلك اليوم على غير عادته. تزاحمنا لنسبق لنا مكانا، بعد أن سمعنا صوت المولد الكهربائي قد بدأ يعمل. وعندما رأى صاحب الدكان أن الجمع لا بأس به، شغل التلفاز الحديث الذي كان قد جلبه من الغربة، ورحنا نتطلع بشغف وفضول. لم أجد دموع أبي تنهمر قبل ذلك اليوم، وهو يرى علم الجمهورية اليمنية يرتفع خفاقا فيما الأعناق شاخصة إليه. ليس أبي وحده من رأيت الدموع تتبادر منه، بل وجوه القرية كلها، حتى خيل لي أنني أنا الوحيد الذي لم يبك يومها. ربما أن اليمن كله من شرقه إلى غربه بكا ذلك اليوم وشخص بعنقه إلى عنان السماء.
لم يستطع الهمداني إكمال كلامه وقد اختنق بغصة حاول طردها بكثير من النحنحات، مضيفا بصعوبة: وها أنا منذ استشهاد علي عبد الله صالح أبكي مع كل ذكرى لتلك المناسبة وأبيع قاتي بنصف القيمة.
وعند سؤاله عما تمثل له الوحدة، قال: لا يمكن أن أتخيل اسم الوحدة دون أن تخطر في ذهني تلك اللحظة التاريخية عندما كان الرئيس علي عبد الله صالح يقبل العلم ثم يرفعه على السارية ونظره مصوب إليه، وما عداها مجرد تفاصيل.
لم يذهب بعيدا، بل أخرج هاتفه المحمول كأنما تذكر شيئا مهما، وإذا بصوت أيوب ينبعث: لمن كل هذي القناديل تضوي لمن، مرددا معه بصوت أجش حتى بلغ: وعادت عدن.
عندها قال: هذه الأغنية أحتفظ بها في تليفوني كتعويذة استعدادا كل عام لهذه المناسبة، ولا أسمعها إلا مرة واحدة في السنة، قبل أن يضيف مستعجلا: بعد ثلاثة أيام من الآن قاتك على حسابي بمناسبة الوحدة.
أخذتني أغنية أيوب إلى صفحته على يوتيوب ومشاهدة آخر تسجيل قام بتنزيله كمحاولة أخيرة من رجل وهب نفسه وصوته لليمن يذكر فيها اليمنيين بأن يتمسكوا بحلمهم الجميل ولا يتركوا لكوابيس الظلام أن تخنقهم. وكأن أيوب يقول كل هؤلاء طارئون كمشاريعهم فلا تلتفتوا إليهم كان الصوت موهنا متعبا، لكنه مازال يحمل ذلك الحيز الذي ينشده كل يمني.
مشاريع التمزيق
من ينظر في تاريخ كل إمامة يجد اليمن مشرذما متمزقا خائضا الحروب وغارقا في الدماء. لكأن الجغرافيا اليمنية تتشظى من تلقاء نفسها كلما سطت تلك الفئة على مقاليد الحكم. وبمجرد سقوط مشروعهم تعود تلك الجغرافيا إلى قابلية التوحد مجددا فتوجد الدولة والقيادة اليمنية الخالصة ويوجد الاستقرار والأمن. بل حتى بمجرد سقوط الإمامة المتوكلية في الشمال عام 1962 عبر ثورة سبتمبر الخالدة، سقط الاستعمار البريطاني من جديد عبر ثورة أكتوبر المجيدة، لتتحد الثورتان العظيمتان في يوم الثاني والعشرين من مايو عام 1990 وتعيدا لليمنيين أكبر منجزات تاريخهم الحديث: الوحدة اليمنية.
قائد وحدث
هذا المصير العظيم ما كان له أن يخرج إلى الوجود لو لم يكن التاريخ والجغرافيا قد وجدا في الزعيم علي عبد الله صالح أهلا له.
تلك هي الحقيقة التي توصل إليها اليمنيون، حتى الذين كانوا يعتبرون أنفسهم خصوما لعلي عبد الله صالح.
اعترافات متأخرة
تأتي اعترافات البعض متأخرة وغير مجدية حتى لو كانت مشبعة بالندم. ها هو السياسي والكاتب الموالي لجماعة الحوثي محمد المقالح، الذي كان يعتبر نفسه خصما لنظام صالح كما كان يسميه، يقر بأن الرئيس علي عبدالله صالح كان آخر القيادات السياسية التي دافعت عن اليمن وسيادته واستقلاله، داعيا المتفقين والمختلفين حول الرئيس صالح إلى الإقرار بأن الرجل كان الأكثر وطنية من بين قيادات سياسية كثيرة أعقبته.
كان المقالح واحدا من أولئك الذين ظلوا ينظرون للمشروع الحوثي، ليعترف أخيرا بالقول: كل يوم يثبت القادمون بعده أن عفاش كان آخر حاكم يمني يحكم اليمن ويتمسك في الدفاع عنها.