فصلٌ من سفر مايو
(1)
في صبح أيّار (90) تسعين
أطلقتِ الأرضُ أزهارَها ،
وجاءَ الزمانُ الربيعيّ أبهى
وصارتْ خريطتُنا موئلاً للأماني
وأنشودةً للأملْ.
في فجر أيّار يهمي الندى غير ما قد ألفنا ،
وتفترُّ جنّاتُهُ
بالشعاع الذي جاءَ بغتةْ.
هذا نشيدُ الحضارات
عادَ إلينا..
وأشرقتِ الشمسُ ..
حين تعانقتِ الأرضُ بالأرضِ
واستمطرَ الحبُ من غيثهِ
سحبَ الاشتياقْ.
(2)
في وجه أيّار ..
أقرأُ خارطتي غير منقوصةٍ
وأعرفُ نفسي ،
وتستكملُ الأرضُ دورَتَها،
وفيه الزمانُ ينبئُنا ..
من جديدٍ بأسمائنا.
منذ ثلاثين عاما ً، وفجرين
كانت مواسمَ مجزوءةً في بلادي
انشقّتِ الشمسُ نصفين..
وكان الشتاءُ ..
هو الزمنُ المتربعُ
فوق مساحاتِ حزني
وكنتُ رماداً تبعثره الريحُ
ميمنةً أو يسارْ.
(3)
منذ ثلاثين عاما، ومقبرتين..
وإنساننا نصف إنسان ،
وتاريخنا نصف تاريخ،
وقرآننا نصف قرآن.
ثلاثون عاماً وشطران
حتى اتعظنا ،
وعدنا لنقرأ تاريخنا غير منقوص.
(4)
ثلاثون عاماً من الليل ..
ما كان لي غير عينٍ
ونصفُ قصيدة ..
وما كان لي غيرُ شطرٍ من القلب
وزّعتُه بين حبٍ وموتْ.
حتى الصلاةَ التي كنتُ صليتُ
ألفيتُها نصفَ مقبولةٍ ..
حين وليتُ وجهي
لشطرٍ
أخفى عن اللهِ نصف الحقيقةْ.
(5)
قرأتُ
بأن نهايةَ هذا الترابِ
المخضّبِ بالدم
لا تتجاوزُ
حدَ البراميلِ،
والثكناتِ،
وسور القنابلْ.
قرأتُ..
بأنّ نهاية حلمي هو الموتُ..
عند الحدود مع الشّطر،
وأن عوالمَنا كلُها تنتهي ..
عند نقطةِ عسكرْ،
وأن المغاربَ آخرُها البحرُ ..
أن المشارقَ آخرُها في حريبْ.
(6)
لقنَني المنهجُ المدرسي ..
بأن التمزق..
وجهٌ قديمٌ لهذا الوطنْ،
وأن لا شمال سواي،
وأن لا جنوب سواه .. على الأرض..
إلاّ محيطٌ وريحْ.
معلمنا قال لي ..
أنّ ” آزال” ..
يخنقها بحرُ طوفانِها ،
وأنّ المآذنَ ..
ليست حقيقةْ ،
وأن قبائلَها ماتزالُ تحاصرُها ..
من قرونٍ سحيقةْ.
(7)
مقرؤنا قال :
أنْ ليس آيات تقرأُ ..
في “الشيخ عثمان”،
وأنْ لا صلاةَ تقامْ،
وأن القواربَ لا تتوضأُ..
حين تؤوبُ إلى مرفأ في عدنْ.
مقرؤنا قال :
من كان يؤمنُ بالشطر فليتّخذْ
من أخيه عدوّاً ،
ويقرأَ في وجههِ
سورة الكافرينْ.
وأستغفرُ اللهْ
إن نحن يوماً كفرنا بفتواه.
ثلاثون حولاً من الحزنِ
نلهجُ خلفَ .. الإمامِ
بآمين .. آمينْ.
يا ويلنا إن قرأنا سطوراً
تشيرُ إلى وحدةِ الأرضِ
أو إنْ جحدنا
سماسرة المخبرين
آمينْ .. آمينْ.
(8)
وفي صبح أيّار 90
فاضت عيون الجماهير دمعاً
وفاضت قلوب الملايين حباً،
وضمت زغاريد شمسان / عيبان ..
حنجرةٌ واحدةْ.
وجهي الذي ظلتُ
أبحث عنه عقوداً ..
تجلى .. في صبح أيار
صار من البحر .. للبحر
خارطةً للأماني .. وأيقونةً للقدرْ.
خاتمة :
لمن عدن اليوم ؟
هذا سؤال المحبين
من عشقوا البحر في وجه صنعاءَ
ضرباً من المستحيلْ.
لمن وطني اليوم ؟
يبقى السؤالُ وتنتحرُ الأجوبةْ.
عدن: 22 مايو 1990م