منبر حر لكل اليمنيين

أيوب طارش

48

أيوب طارش اسم مرتبط بأحبة بعضهم رحل. أخر الأحبة هو الصديق عبدالسلام جابر الذي تصادف ذكرى رحيله الثانية هذه الايام. كان يدهشني إذ يحفظ اغاني أيوب جميعها، يحفظها ويؤديها بسلطنة. كان يقول أن أيوب هو الفنان الأول في الضالع … ينفرد بالصدارة ثم يجيء بعده، وبمسافة، كبار الفنانين في اليمن مثل المرشدي وابوبكر ومحمد سعد وغيرهم،
والحق أن أيوب أحد الثوابت في الضالع.كنت أقول له ممازحا: كيف سيكون الوضع في السنوات القادمة في حال تحقق مطلب كثيرين من أبناء الضالع بفك الارتباط؟
—-
هناك أسماء تستعصي على التصنيف!
أيوب طارش من هؤلاء، تماما مثل المرشدي وأبوبكر سالم بلفقيه ومحمد سعد عبدالله احمد السنيدار وفيصل علوي وعلي الآنسي وعلي السمةً والحارثي، وقبل هؤلاء جميعا يحل ابراهيم الماس وقاسم الاحفش وعلي ابوبكر باشراحيل (شيخ الاغنية الصنعانية) والمسلمي والعنتري … الخ.
هؤلاء فنانون صاغوا وجدان اليمنيين والخليجيين على مدى قرن من الزمان. وبعيدا عن الحساسيات القطرية فالمؤكد أن هؤلاء الرواد (بدءا من العشرينات) هم الإرث المشترك، الى جانب طلال مداح ومحمد عبده وعبدالكريم عبدالقادر وغيرهم من رواد الغناء في المنطقة، لمجتمعات الجزيرة والخليج العربي.
يمكن اعتبار فيصل علوي وعبدالرحمن الحداد وايوب طارش اخر العنقود الغنائي اليمني، وآخر حبات العقد اليمني الفريد.
أكثر من ذلك يمكن القول بأن “الهوية اليمنية” عبر عنها هؤلاء دون شيء من اعراض العصبية والانغلاق.
لا يمكن قراءة أيوب طارش خارج هذا السياق حتى وهو يخط له مسارا خاصا يعبر عن أصالته كفنان لا يشبه أحدًا. كذلك صار أيوب لصيقا بالأغلبية الساحقة من اليمنيين (وهم من الريف أو من أصول ريفية). ومن المدهش ان جمهور أيوب ليس محصورا على سكان المرتفعات الزراعية من صعدة الى الضالع ولحج، ومن جيزان وعسير الى أبين وشبوه وحضرموت وصولا الى المهرة وسقطرى.
ان أيوب طارش هو فنان الشعب أو -إن شئتم- فنان المجتمع اليمني الزراعي وبالتالي فنان الشعب. هو صوت اليمني الفصيح إذ يتطلع الى الحرية والتعاون والعمل … والوحدة! وهو الابن النجيب لرواد الغناء اليمني من قاسم الأخفش وباشراحيل الى محمد جمعة خان.
—-
يحضرني هنا توصيفاتي المشبعة باليقين وقد تنازلت عن مدينيتي- مدينة تعز فصنعاء- بأنه يمكن فهم السياق الذي جاء منه كل مطرب يمني الا أيوب فهو “العبقري يستعصي على التفسير”!
هو رائد ما يمكن تسميته بأغنية الريف. والىه يعود الفضل في تحويلها الى اغنية اليمن بحواضرة وأريافه، بشماله وجنوبه، بمرتفعاته وقيعانه ووديانه وجزره.
بكلمة اخرى هو “النشيد الوطني” يحيا معنا. ومن الظلم والاجحاف أن يطلب منه البعض أن يلتزم الحصافة فلا يتغني بوحدة الشعب اليمني معتقدا أنه أحد سياسيي المرحلة أو الدكتور رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي.
—-
كبرنا مع صوت أيوب. كل منا معه اغنية على الأقل تذكره بأسلافه في القرية أو المدينة أو المهجر. لذلك فإيوب له في الوجدان مهابة، تماما كسابقيه الى الغناء في عدن وحضرموت وصنعاء. ولسوف تحتفظ ذاكرتي بأيوب الكبير الذي يذوب خجلا في أول مقيل يجمعني بهذا الانسان الجميل.
كان المقيل في منزل الشاعر اليمني الكبير عبدالعزيز المقالح. رحمه الله. أمامه كان يجلس الفنان أيوب طارش وانا على يسار المقالح.
سأل أحد الحضور المقالح عن اغنيته المفضلة من أغاني أيوب.
رد المقالح دون تردد بنبرة هادئة: كل أغانيه تعجبني!
كانت أنظار جميع من في المقيل تتجه نحو المقالح بينما كانت عيناي ترصدان انفعالات أيوب… كان تلميذا في الابتدائية يتلقى اطراء من معلمه.
يومها أكبرت الرجلين؛ المقالح وأيوب.
بعد عشر سنوات زرت رفقة صديقي وزميلي بشير السيد، الفنان الكبير في منزله في تعز. كنا ننصت لحكاياه المدهشة بدءا من قصته مع الشيخ البيحاني في عدن ولحج. لدى أيوب الكثير من الأسرار بعضها تسرب أو نشر بإدن منه (كالحوار الذي أجراه ل”النداء” الحاضر في قلوبنا بشير السيد) لكن أغلبها ظل في “قصر مرصود”، هو وحده يقرر موعد نشره.
سلام لأيوب؛ الصوت والنشيد والوجهة.

تعليقات